• شارك برأيك
    english

    العالقون والمغتربون .. أحلام تصطدم ببوابات معبر رفح المغلقة

    حزم الطالب نشأت الخالدي الذي أنهى دراسته في الجمهورية اليمنية أمتعته متجها إلى القاهرة عقب تردد الأنباء عن فتح معبر رفح أمام العالقين من كلا الجانبين ، وكان الأمل يسيطر عليه بأنه بات على موعد قريب مع عائلته في غزة بعد انتظار امتد لأكثر من عام .وما أن وصل الخالدي مطار القاهرة حتى كان القرار المصري بضرورة عودته على متن الطائرة التي وصل بها لأن المعبر أعيد إغلاقه من جديد ، لتتبخر الآمال في لحظات معدودة.في المقابل جلس أحمد منذر أمام شاشة التلفاز يتنقل بين القنوات الإخبارية لمتابعة تطورات زيارة الفصائل إلى القاهرة عله يسمع خبرا يسره وينهي رحلته الطويلة من الانتظار على أمل فتح معبر رفح كي يتمكن من مغادرة قطاع غزة للدراسة في مصر .وفور سماعه نبأ افتتاح الأمن المصري المعبر لمدة يومين أمام المرضى والعالقين لم يتمالك نفسه برفع صوته معبرا عن سعادته ، إلا أن تقاسيم وجهه المبتسمة بدأت تتغير بعدما علم أن اسمه غير مدرجا في قائمة المسافرين .

    طال الانتظار

    هي حالة من التناقض ما بين أماني الطلبة العالقين في غزة والمغتربين الذين أنهوا دراستهم ، فكل منهم يريد أن يكون مكان الآخر . عاد الخالدي إلى اليمن ليتواصل من جديد مع أقاربه وأصدقائه عبر شبكة الانترنت للسؤال المتواصل عن موعد فتح المعبر كي يتمكن من التوجه للقاهرة قبل فتح المعبر بأيام على أمل الوصول إلى القطاع المحاصر . وتعود أزمة الطلبة العالقين إلى الأول من يونيو من العام الماضي حيث أغلقت قوات الاحتلال معبر رفح في وجه المسافرين والعائدين ولم تفتحه سوى ساعات معدودة منذ ذلك الوقت لعدد محدود من المرضى والطلبة بالمغادرة ، كان آخرها الأسبوع الماضي .وللعام الدراسي الثاني على التوالي يواجه الطلبة المصير المجهول ذاته مع مواصلة إغلاق المعابر ، حيث لم يحل فتح معبر رفح بشكل استثنائي أزمة المرضى والعالقين جميعا .منذر الذي أنهى دراسة الثانوية العامة العام الماضي كان يأمل مغادرة القطاع فور تخرجه من المرحلة الثانوية وذلك ما دفعه للانتظار وعدم الانضمام لأية جامعة في غزة كبديل وحيد في ظل إغلاق المعبر .ويحبس منذر أنفاسه خوفا من ضياع العام الدراسي الحالي كسابقه ، وهو ما انعكس سلبا على أوضاعه النفسية خشية انهيار الأحلام التي رسمها في مخيلته .على صعيد آخر يتابع الخالدي عن كثب تداعيات التهدئة على الأرض ويتمنى أن يأتي اليوم الذي ينفذ الاحتلال استحقاقاتها بفتح معبر رفح أمام حركة المسافرين بشكل دائم .وقد غادر الخالدي قطاع غزة إلى اليمن لدراسة الهندسة المدنية في العام 2003 ، ولم يتمكن من العودة إلى غزة لزيارة ذويه إلا في إجازة العام 2004 فقط ، وعقب تدهور الأحداث على الساحة الفلسطينية فضل البقاء هناك لحين إنهاء دراسته خشية المجيء وألا يتمكن من المغادرة.ومنذ صيف العام الماضي يحاول الخالدي الوصول إلى قطاع غزة إلا أن بوابات المعبر المغلقة حالت دون ذلك ، حيث يقضي أيامه الطويلة برفقة أصحابه الذين تعرف عليهم خلال الدراسة .ولم يخف الخالدي تخوفه من انقضاء وقت أطول في بلاد اليمن وقال في حديثه عبر الانترنت "لنافذة الخير " المصاريف تزداد يوما بعد يوم ، ولم يعد بوسعي تحمل المزيد " .

    الطلبة يناشدون

    وكان الطلبة العالقون قد استغلوا في وقت سابق تواجد المتضامنين الأجانب الذين وصلوا على متن سفينتي كسر الحصار ، لإيصال معاناتهم إلى العالم وشرح ظروفهم الصعبة وحرمانهم من استكمال دراستهم في الخارج .واجتمع الطلبة بعدد من نشطاء السلام إلى جانب جون كينج مدير عمليات الاونروا في قطاع غزة ، وأثناء الاجتماع وعد انستاسيوس كوراكس عضو البرلمان اليوناني تفعيل قضيتهم في برلمان بلاده والمحافل الدولية ، وحصل النائب على كشف بأسماء الطلبة العالقين في محاولة منه لإيجاد حل لاستكمال دراستهم في الخارج .من جانبه قال رامي عبده ممثل حملة "دعوا طلبة غزة يدرسون" الأوروبية أنهم لن يدخروا جهدا في إظهار حجم المأساة التي يعانيها الطلبة العالقون ، مشيرا إلى أن الاتصالات ما بين لجنة الطلبة العالقين والحملة الأوروبية مستمرة مع الأطراف المعنية لإنهاء أزمة جميع الطلبة.بدوره قال جون كينج: مر ستون عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ضمن أبسط الحقوق للإنسان، ومن أبسط هذه الحقوق حق الإنسان في التنقل وتلقي تعليمه، مؤكدا أن ما يتعرض له الطلبة العالقون في غزة من منع للالتحاق بجامعاتهم انتهاك فاضح لحقوق الإنسان.أما وائل الداية منسق لجنة الطلبة العالقين فقال: إن مئات الطلبة في القطاع يسيرون نحو المجهول خاصة في ظل تغيبهم لأكثر من عام عن مقاعدهم الدراسية واستلامهم تحذيرات أكاديمية بالفصل من جامعاتهم، بجانب تهديد الجهات المتبنية للإنفاق على دراستهم بسحب المنح والمقاعد الممنوحة لهم.وأضاف أن الطلبة يمرون الآن بمرحلة حرجة خاصة وهم على مشارف عام دراسي جديد، وكثير منهم يمرون في حالة نفسية سيئة نتيجة شعورهم بتهديد جدي وحقيقي لمستقبلهم وأحلامهم.وشرحت الطالبة رشا أبو شعبان معاناتها أمام المجتمعين قائلة: إنها حصلت العام الماضي على منحة من مؤسسة ابن مكتوم لإكمال دراسة الماجستير في جامعة أبردين البريطانية، إلا أنها لم تتمكن من المغادرة بسبب الحصار.وأضافت أنها أعادت التقدم للمنحة وحصلت عليها للمرة الثانية، وحتى اللحظة لم تتمكن من الالتحاق بالجامعة الأمر الذي يحرمها من المنحة للمرة الثانية ويقضى على أحلامها.من الجدير ذكره أن الحكومة الأمريكية قررت في وقت سابق سحب الفيز الممنوحة مسبقا لعدد من الطلبة الغزيين الحاصلين على منح دراسية للدراسة في الجامعات الأمريكية. وقد اعتبر الطلبة تلك الخطوة انتهاكا لكل الأعراف والمواثيق الدولية التي كفلت حق الإنسان في التعلم، مؤكدين أن تلك الخطوة تساوق مع ممارسات الاحتلال، خاصة وان منع الطلبة جاء بعد ما قيل انه معلومات مقدمة من الأجهزة الأمنية للاحتلال، في حين أن الطلبة الذين من بينهم فتاة يعرف الجميع انه ليس لهم أية أنشطة سياسية وهم بعيدون كل البعد عن العمل الحزبي أو السياسي. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن منع الطلاب من مغادرة القطاع هو إجراء ستكون له عواقبه السلبية الوخيمة في المستقبل.

    متى سنعود ؟

    ولم ينحصر تأثير إغلاق المعبر على الطلبة والمرضى فحسب بل امتد ليطال المغتربين المرتبطين بأعمال في الدول المختلفة ، حيث يقيم بلال عليان في تركيا ، ومنذ بداية انتفاضة الأقصى نهاية العام 2006 ، تمكن من زيارة ذويه لمدة أسبوع واحد نهاية العام 2005 قبل أن يعود للالتحاق بعمله .سنوات عديدة من الغربة مضت دون أن يتمكن عليان من الوصول إلى غزة بحرية ، ويبدو أن اقتراب تخطي عمر ابنه الخمسة أعوام بات يؤرقه خشية أن يفقد لم الشمل ، حيث من المعروف أنه في حال تجاوز الطفل الخمسة أعوام دون أن يسجل لدى سجلات وزارة الداخلية للحصول على بطاقة يفقد هويته الفلسطينية بشكل تلقائي .ويؤكد عليان أن محاولاته الحثيثة لزيارة غزة تصطدم بإغلاق المعابر ، وتقدم بمناشدة للمسئولين لمراعاة ظروف المغتربين وتعليق سريان فقد المواطنة لحين فتح المعبر .واستمرارا لمعاناة المغتربين تجلس سمية المقيمة مع زوجها في دولة قطر يوميا أمام جهاز الكمبيوتر للحديث مع والدتها عبر الماسنجر بالصوت والصورة لتطلع على آخر التطورات المتعلقة بحركة المعابر .وبين الحين والآخر تنهمر الدموع المشتاقة لرؤية ذويها ، حيث خيم الحزن عليها يوم زفاف شقيقتها وذلك بعدما دأبت على حزم أمتعتها قبل موعد الزفاف وعزمت المجيء إلى غزة لحضوره ، إلا أنها لم تتمكن من ذلك فتحولت أحلامها السعيدة أحزانا وبكاء .فيما تتشوق والدتها لرؤيتها حيث انقضت عدة أعوام على سفرها الذي تبع يوم زفافها مباشرة ، وقالت " مستعدة أن أسافر لمصر كي أراها هناك لكن المعبر يحول دون سفري أو مجيئها ".مع مرور الأيام تتكشف قصص من المعاناة كانت وراء إغلاق معبر رفح في وجوه الطلبة والمرضى ، إلا أن تلك الحكايات ستبقى محفورة في ذاكرة المحاصرين الذين لن يغفروا لمن أصر على تجريعهم مرارة الحصار .