• شارك برأيك
    english

    صيادو غزة.. لقمة العيش بطعم الموت

    يصعب على الفلسطيني خالد الهسي (41 عاما) ترك مهنته الرئيسية والتي لم يعرف غيرها منذ شبابه وركوبه بحر غزة مع والده للصيد، رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتنوعة من تضييق نطاق الصيد والاعتقال وإطلاق النار..يقول الهسي " إن التضييق أجبر بعضهم على الصيد بوسائل بدائية على شاطئ البحر، وآخرون هجروا البحر ولزموا بيوتهم خوفاً على حياتهم، بينما آخرين يغامرون بالدخول لعدة أميال ضمن المسوح بها".ويسمح جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين بالصيد في حدود لا تتجاوز ثلاثة أميال (6.5 كيلومتر فقط) وسط ملاحقة يومية، في حين تنص الاتفاقات الموقعة إبان قيام السلطة الفلسطينية على مسافة صيد تقدر بعشرين ميلا بحريا (37 كيلو مترا).وكثفت الزوارق التابعة للجيش، من إطلاق النار والقذائف على قوارب الصيادين، بعد العدوان الأخير على غزة مطلع العام الحالي والذي أدى لاستشهاد وإصابة أكثر من 6 آلاف فلسطيني.

    الأشد خطراً

    ويؤكد النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، أن معاناة الصيادين جزء من معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الحصار الإسرائيلي، لكنها من أشد خطراً، بسبب ما يتعرضون له من إطلاق نار وقذائف واعتقالات، إضافة لأخطار البحر ذاته.وأشار الخضري، إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تشكل خرقا واضحا للقانون الدولي، وانتهاكا للمادة الثانية والمادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافي.وأوضح الخضري، أن خسائر كبيرة تعرض لها الصيادين سواء بمنعهم من الصيد في عرض البحر والتضييق عليهم، أو تدمير معداتهم وقواربهم وتمزيق شباكهم، إلى جانب تعطل القوارب على الشاطئ وتآكلها.وقدر رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، حجم الخسائر الشهرية للصيادين بسبب منعهم من الصيد بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، داعياً لضرورة دعم هؤلاء والوقوف إلى جانبهم.

    لن نترك المهنة

    ويتجول الصياد محمد بكر (54 عاما) مشياً على الأقدام وسط مئات المراكب الراسية على الشاطئ وقد أكلها الصدأ، بعدما هجرها أصحابها، ويقول " اعترضني زورق إسرائيلي على بعد ميل ونصف الميل قبالة شاطئ غزة، واحتجزني الجنود لعدة ساعات قبل تمزيق شباك الصيد".ويؤكد بكر، الذي يعمل على متن مركب صغير يعتاش من رزقه أكثر من 25 فرداً " أنه لن يترك مهنة الصيد رغم كل المضايقات والاعتداءات والخسائر، ويضيف "بكل بساطة لن أترك مهنة الصيد لأنني لا أجيد غيرها، ولم أعرف طيلة حياتي سوى الصيد وركوب البحر".ويتساءل "كيف يريدون لنا أن نعيش ونحن محاصرون برا وجوا وبحرا؟.. هذه مأساة.. إننا نموت كل يوم مائة مرة.. أين المجتمع الدولي؟.. أين مؤسسات حقوق الإنسان؟.. ألم تسمع بمعاناتنا؟.. أم أن "إسرائيل" خارج طائلة القانون الدولي؟!" .أما الصياد محمد الندى، وهو في الأربعين من عمره، الذي هجر مهنة الصيد ويعمل حالياً منقذاً بحرياً متطوعاً، يشرح آلية عمل الزوارق بقوله "تتمتع بسرعة فائقة وتجهيزات مخيفة، وتظهر وتختفي فجأة، وتطلق النار والقنابل التي تحدث ارتجاجاً قوياً في المياه وتؤدي أحياناً إلى قلب المراكب وإصابة الصيادين".واستذكر الندى، كيف أجبره جنود البحرية الاسرائيلية صبيحة أحد الأيام شديدة البرد على خلع ملابسه والقفز من المركب والسباحة في البحر للوصول إلى زورقهم للتأكد من هويته، لافتاً إلى أن جنود الاحتلال يقومون أحيانا باعتقال صيادين وترك قواربهم في عرض البحر بما عليها من معدات.واستخف زميله رائد كسكين (38 عاماً) بادعاءات الاحتلال أن التضييق لظروف أمنية، قائلاً "الصياد يخرج من بيته وكل همه العودة إلى أسرته بما يسد رمقها في ظل وضع اقتصادي مترد وحصار خانق".وتابع "بمجرد إبحارنا فإن جنود الاحتلال يراقبوننا عبر أجهزة المراقبة ويمكن أن يطلقوا النار تجاهنا في أي لحظة أو يقطعوا شباك الصيد أو يدمروا القوارب، أو أن يجبرونا على العودة إلى الشاطئ".ويتطرق الصياد داوود شيخة، لعائق جديد يواجههم بأن مواطن الأسماك غالباً تكون في مناطق متقدمة من البحر، ومع تركز عمل الصيادين في منطقة محدودة بسبب عراقيل الاحتلال، فذلك يؤدي لنفاد الكميات المتواجدة في تلك المنطقة.ويشير شيخة إلى أن ذروة السمك تكون في فترتين من العام وهما ما يطلق عليهما "بالعتمة" حيث تمتد الأولى من منتصف أبريل وحتى منتصف يونيو، والثانية في تشرين أول وتشرين ثاني "أكتوبر ونوفمبر" والتي يطلق عليها "عتمة التشارين".

    حق مشروع

    من جهته، قال محمود العاصي رئيس جمعية الصيادين الفلسطينيين في غزة، إن البحر حق مشروع للصيادين، مبينا أن حوالي 3500 صياد يعملون على طول 40 كيلو متراً من سواحل القطاع، ليس لهم أي باب رزق سوى مهنة الصيد، ويعيل هؤلاء حوالي أربعين ألف نسمة، بمن فيهم عمال صيانة وبائعوا سمك والآلاف من الأسر العاملة في مجال الصيد.وأضاف العاصي "مهنة صيد الأسماك أصبحت مدمرة بسبب الإجراءات "الإسرائيلية" التي تزداد تعقيداً يوما بعد يوم، مما أدي إلى تدهور الوضع المعيشي لآلاف الصيادين الذين لا يستطيعون توفير لقمة العيش لأسرهم".وبين أن الصيادين نادراً ما يجدون أسماكا في هذه المساحة المحدودة، مستنكرا تنصل قوات الاحتلال من جميع الاتفاقيات التي تثبت حق الصيادين من ممارسة مهنتهم مستغيثاً العالم بالوقوف والمساعدة لهذه الشريحة من الشعب المحاصر منذ العامين حتى الآن رافضاً مبررات الاحتلال.من جانبه، حذر نزار عياش نقيب الصيادين الفلسطينيين من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية للصيادين، وخاصة ارتفاع نسبة الفقر والبطالة بين صفوفهم.وقال عياش "إن المسافة المسموح بها حسب اتفاقية أوسلو المبرمة عام 1993 تسمح بالصيد لمسافة عشرين ميلا، قلصها الاحتلال إلى اثني عشر ميلا ثم سبعة ثم ثلاثة واليوم لا يستطيع الصياد على طول شاطئ قطاع غزة الإبحار لأكثر من ميلين اثنين، وهناك يواجه رحلة ابتزاز وتمارس عليه الضغوط بالحبس لساعات تحت التحقيق والتعذيب، واحتجاز قوارب صيده، وفي أغلب الأحيان لا يخلو الأمر من إطلاق النار عليه وعلى قاربه وإغراقه بالبحر".ويؤكد أن مسافة الثلاثة أميال تمثل انتهاكا صارخا لكافة الاتفاقيات والمعاهدات وقتل لمصدر دخل لأكثر من ثلاثة آلاف صياد يعتاشون من مهنة الصيد، موضحاً أن قطاع الصيد يواجه مخاطر كثيرة وبخاصة من تبعات الحصار الاسرائيلي على القطاع.

    تدخل دولي

    من جهته، قال محفوظ الكباريتي رئيس جمعية هواة الصيد والرياضات البحرية الفلسطينية "إن الانتهاكات أخذت اتجاهاً تصعيدياً في ظل فرض قيود جائرة على الصيادين ومنعهم من ممارسة مهنتهم وفرض مساحة لا تتجاوز الثلاثة أميال للصيد وسط اعتداءات يومية".وطالب الكباريتي المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الصيادين ووقف كافة إجراءات الاحتلال واعتداءاته بحقهم.وأكد على ضرورة العمل بشكل عاجل على رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع والسماح بإدخال كل ما يلزم من مستلزمات لكافة قطاعات الشعب الفلسطيني بمن فيهم الصيادين.أما الدكتور حسن عزام مدير عام الثروة السمكية بوزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، فبين أن إجراءات الاحتلال بحق الصيادين تهدف لإنهاء تلك المهنة بشكل كامل، على غرار الحصار البري الذي حرم آلاف العمال من مصدر رزقهم.وقال أنه بحسب الإحصاءات المتوفرة لدى الوزارة فإن المعدل اليومي لاعتداءات قوات الاحتلال على الصيادين تتراوح العشر تصل في بعض الأحيان إلى إصابات مباشرة وتقطيع شباك الصيادين والاستيلاء على المراكب الصغيرة أو تفجيرها، فيما بلغت عدد المراكب الصغيرة التي تمت مصادرتها خلال الفترة الماضية عشرين مركبا إلى جانب مركب كبير.ولفت عزام إلى أن تقليص المساحة إلى ثلاثة أميال يؤثر على كمية ونوعية الأسماك التي يتم اصطيادها، موضحاً أن الغالبية العظمي من الاعتداءات المسجلة لدى الوزارة أو مراكز حقوق الإنسان حدثت في المساحة الأقل من ميلين. موضحا أنه في أحد المرات أطلقت قوات الاحتلال نيرانها باتجاه ثلاثين قاربا على مسافة مائة متر من شاطئ منطقة السودانية واعتقلت عددا منهم وصادرت عددا من قواربهم.من ناحيته أكد منسق وحدة العمل الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت حدوث جرائم الاحتلال بحق الصيادين الذين يعانون منذ بدء العام 2000 من انتهاكات مستمرة لحقوقهم في ظل تغيب الضغط الدولي لما يجري في عرض البحر.وذكر أن معاناة الصيادين تتفاقم يوماً بعد يوم جراء الاعتداءات التي تنفذها القوات الحربية الإسرائيلية ضدهم، لافتاً إلى أنهم يتعرضون لأشكال متعددة من الانتهاكات أبرزها الحق في العمل والحياة والتنقل والحركة.وقال: "هناك ثلاثة حقوق أساسية تنتهكها قوات الاحتلال بشكل متواصل ومن دون رادع، سواء من خلال حرمان الصيادين من العمل أو تقليص حركتهم وتنقلهم في عرض البحر أو التهديد المتواصل بالقتل من خلال إطلاق النار والقصف".وطالب زقوت المجتمع الدولي والعربي ومؤسسات حقوق الإنسان في العالم للتدخل الفوري للوقوف بجانب الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة وإعطائهم أبسط حقوقهم في ممارسة مهنتهم.ومن جهته، قال فضل المزيني من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن حرمان الصيادين من حقهم في الصيد يشكل خطراً كبيراً على تلاشي مهنتهم، "خاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار أن قرابة 3000 صياد يعتاشون من هذه المهنة ولا بديل أمامهم في ظل انعدام الفرص داخل قطاع غزة الذي يعانى منذ ثلاثة سنوات حصار مشدد يفتك بكافة مناحي الحياة.