• شارك برأيك
    english

    أسيـرات غزة المُحـررات.. أمل المستقبل لن ينسينا الماضي

    تستيقظـان باكـراً ...تبدآن فـي اكتشـاف حيـاتهن الجديدة وتفاصيـلٍ غيّبها ظـلام السجن طـويلاً ...وفي عقـل كل واحدة ترتسم خـارطة لفرحٍ قادم سيتفنن في نثـر ألوانه على أحبـةٍ افتقدوا حضورهم.

    "فـاطمة الزق ..وروضـة سـعد " ستصافحان شمساً تتسلل من نوافذهم وبهمـةٍ عاليـة سيسارعون لإعداد طعام الإفطار لأطفـالهم وستسقط سـاعتها عمداّ من ذاكرتهم رائحة الزنازين وصـوت المفاتيح والأبواب المُغلّقة وغربة تحملها الجدران الضيّقة.

    فاطمة وروضـة واللتان نالتا مؤخـراً لقب "أسيرات مُحررات" تنسمّن الحـرية وعبيرها ضمن عشرين أسيرة فلسطينية من قطاع غزة والضفة مقابل شريط فيديو مدته دقيقة واحدة للجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جلعاد شاليط تسلمته إسرائيل.

     

    يوسف السجين

    وفي حديث ٍخـاص عادت فـاطمة الزق الأسيـرة المُحررة بذاكرتها للوراء قليلا لتقف عند تاريخ اعتقالها (20/5/2007) أثناء مرافقتها لابنة أخيها (روضة سعد) في رحلة للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية، وبصوت يخشى ماضٍ بشـع قالت: "بعد تعذيب نفسي شرس وتحقيق دام لأكثر من ثلاث ساعات اقتادني الاحتلال من غرفة صغيرة في معبر بيت حانون"إيرز" (شمال غزة) إلى إحدى الزنازين في سجن عسقلان وبعد إخضاعي هناك لتحقيق جديد تتخلله فحص طبي أخبروني بأني حامل".

    فاطمة أخذت تتمنى وقتـها بأن يهديها الله طفلا ذكرا تُسميه يوسف وبصوت دافئ واصلت روايتها: "شعرت بضيق شديد.. وأنني وحيدة.. ولما أخبروني أنني حامل.. تذكرت على الفور قصة سيدنا يوسف وكيف أنجاه الله من ظلمات السجن فبدأت أدعو وأدعو.. صحيح أنني شعرت بحزن وأسى على طفل سيلعق معي وجع وعذابات السجن إلا أنني شعرت بأن طفلاً سيحمل اسم "يوسف" سيمحو كل الهموم".

    وفي 18/1/2008...جاء يوسف الذي تقلب وجعا مع دموع أمه واكتوى بأناتها وبعد ساعات خرج الرضيع بصحبة والدته من مستشفى مئير بكفار سابا لتتلقفه أرضية سجن تلموند بكل ما تحتويه من ظلامٍ وألـم.

     

    طفولة مشوهه

    يـوسف الذي لم يتقبـل أن يتقرب منـه أحد لمداعبته أو حتى حمـله بدا أنه يحتاج لوقت طويل ولذاكرة جديدة كي يدرك أن ثمة حياة أخرى في انتظاره.

    تحمـله أمه بكل حنان الدنيا وتستدرك :" اختلفت كل الأشياء حـوله ..هو لم ير في حياته شجرة ولا دراجة ...عاش طفولة مشوهـة ...هو الآن دائم الصراخ والبكاء ...إنه  معذور لقد كان يعتقد أن الزنزانة التي كانت يعيش فيها بالسجن هي الكون كله، وأنني وبقية الأسيرات العالم كـله ...سأسعى جاهدة لأعيد له طفولته".

    اليوم والأسيرة تصافح فرحة حريتها أكـدت أنها ستقوم بترتب الأشياء من جديد لأطفالها الثمانية (ما بين 21 عاماً..إلى خمس سنوات) وستحاول تعويضهم عما فقدوه من حرمانٍ ولـوعة فراق.

    ووصفت الزق خبر الإفراج عنها وعن باقي الأسيرات بـ"المفاجئة سارة" التي لم تكن تتوقعها بهذه السرعة وتستدرك :" لكن ما حدث كان بفضل المقاومة وثبات القيادات الفلسطينية لمطالبهم حتى تحقق لهم ما تمنوه".

    وبالرغم من سـعادتها البالغة بنسمات الحرية إلا أن الزق شددت على أن حزنها لا يكاد يندمل على الأسيرات القابعات خلف سجون الاحتلال وتابعت :" لن يهدأ لنا بال ولن نتذوق طـعم الراحة الحقيقية إلا بتبييض السجـون".

     

    معاناة وحرمان

    وعـلى الطرف الآخـر بدأت تتحدث إلينا الأسيرة المُحررة روضة حبيب الأم لأربعة أطفال، وعيونها مملوءة بالحزن المفعم بالأمل قالت: " رغم إطلاق سراحي وفك قيدي من الزنازين الإسرائيلية إلا أن في قلبي قليل من الفرح وكثير من الحزن لأني تركت ورائي أخواتي الأسيرات بعانين من القيد وقهر السجان".

    وعيونها ترنو صوب السماء تابعت تقول: " مازال الأمل يحدوا الأسيرات من قلب المعتقلات والسجون.. ويحلمن بفجر جديد يضيء أيامهن ويمحو قسوة ومرارة الأيام والشهور التي قضوها داخل الزنازين".

    وبالرغم من أن سنوات الأسر أصبحت جزءا من الماضي، وإن كان لم يمر عليها سوى وقت قصير، لكنها سرعان ما تعود لتستعيد ذكريات مؤلمة عاشتها طيلة فترة الأسر.

    وتقول روضة: "برغم الفرحة التي رأيتها على وجوه الجميع والسعادة طرقت باب  بيتنا، إلا أن مشاعر الخوف ما زالت تراودني وتلاحقني.. فتفاصيل الاعتقال والمعاناة تسكن ذاكرتي وتجوب في عقلي".

    ذكريات مؤلمة

    والحزن يجتاح صوتها مضت تقول: "داخل السجن لم نكن نعرف سوى المعاناة والألم والحرمان.. سواء في الأعياد أو في شهر رمضان.. في كل يوم لا نعرف سوى القسوة والوجع".

    واستدركت قائلة: "ولكن رغم ذلك فأنا اليوم حرة بين أطفالي وأهلي.. وفي حضن عائلتي وسأحاول أتغلب على ذكرياتي المريرة ولكن فرحتي مازالت منقوصة".

    وطالبت روضة فصائل المقاومة بضرورة التسريع في تحرير باقي الأسيرات ليعودوا الأمهات إلى أطفالهم والأخوات والبنات الصغار إلى عائلتهم, فكل يوم خلف القضبان بمائة عام, ومضت تقول: " ولن يتم تبيض السجون الإسرائيلية وتحرير باقي الأسرى إلا بخطف المزيد من الجنود".

    وناشدت العالم أجمع وجميع منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية الدولية التدخل العاجل وممارسة الضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوضع حد لمعاناة الأسيرات، وضرورة توفير الرعاية والعلاج خصوصاً للأسيرات الحوامل منهن.

    وأكدت الأسيرة المحررة أن الأسيرات صامدات وإرادتهن شامخة كالجبال رغم ما يتعرضن له من أصناف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، في أقبية التحقيق والاعتقال.

    وبخروج الـ20 أسيرة من السجون الإسرائيلية ستبقى نحو 70 أسيرة في السجون ينتظرن بفارغ الشوق أن تصافح أرواحهن شمس الحياة ويستنشقن هواء الحرية.