• شارك برأيك
    english

    عائلـة زُعـرب: أنقـذونا من برد شتاء غزة

     

    يرتجف طفلها بين يديها كورقة شجرٍ متساقطة.. تدفئه بقليلٍ من الأغطية المتهرئة.. والدموع تتزاحم في عينيها، وغصة كبيرة تكاد تخنق صوتها.. "أم حسن" أم لعشرة أطفال لم تكن تتألم من الفقر وبؤس الحال، بل كان منبع حزنها أنه كان لها بيت يأوي ضعفها ولكن شردوها منه إلى مكان لا يصلح للعيش.

     

    والمطر ينهمر من ثنايا ألواح الصفيح المهترىء والنايلون المُمزق التي تغطي سقف البيت، لملت صغارها ليختبئوا من البرد العاصف، وبحروف الألم قالت: "نريد حلاً.. الوضع لا يُطاق".

     

    هذا المشهد على مرارته هو الواقع التقليدي المُعاش في مكان يشبه البيت يأوي أسرة "أم حسن زعرب" المكونة من عشرة أفراد على شاطئ مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

     

    هو منزل أشبه بخربة مرقعة لا تصلح للاستخدام الآدمي، ولا يتصور أحد أن يكون مثلها موجوداً على أرض الواقع؛ فما أن تخطو أولى عتبات المكان حتى تصطدم ببرك ماءٍ وطين تكومت بفعل المطر الغزير، وأثاث لا يصلح للاستخدام متطاير في كل مكان.. فلا أمن ولا أمان.

     

    بيوت من الأقمشة

    فنظرة واحدة لبناء المكان  كفيلة بتبيان مأساته والكارثة التي ألمت بأصحابه؛ فهو عبارة عن غرفتان لا تتعدى عشرة أمتار مبينة من الأقمشة البالية وعسف النخيل والنايلون الممزق.. وسقفه صفيح أكله الصدأ ولا يبعد سوى عشرون متراً عن شاطئ البحر.

     

    وبدأت حكاية التشرد والوجع منذ عام 1992 عندما قامت بلدية خانيونس بهدم بيت زعرب لفتح شارع في المدينة، وقررت تعويضه بمنزل آخر لكي يأوي أفراد أسرته..

    والدموع تحبس في عينيه قال أبو حسن زعرب: " بعد إصدار هذا القرار نصعت له.. ولم يكن بيدي شيء سوى الاستسلام وبصيص من الأمل بدأ يغمر قلبي عندما وعدتني البلدية بقطعة أرض تعويض عن منزلي".

     

    وبحزن بح صوته استدرك: " ولكن الفرحة لم تتم وسط تعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي ورفضها منحي قطعة الأرض لأبني عليها منزلاً وأرحم صغاري من ذل التشرد وألم معوزة الناس".

     

    وهو يرجع بشرط معاناته إلى سنواتٍ مضت قال: "طرقت كل الأبواب وصرخت بنداءات الاستغاثة في كل مكان حتى بُح صوتي.. وللأسف يبدو أن كل المسئولين أصابهم الصمم ولم يسمعوني.. ولا حياة لم تنادي".

     

    ومضى يقول: "وعندما لم أجد نتيجة من توسلاتي واستجدائي للمساعدة أو يعطوني حقي وبيتي الذي هدموه.. اضطررت لبناء غرفة صغيرة من ألواح الصفيح وعسف النخيل في مكان على شاطئ البحر.. لينام الصغار في مكان يقيهم ولو بعض الشيء من عصف الشتاء وحر الصيف".

     

    بالصيف والشتاء

    ومع دخول كل فصل الشتاء يتخوف زعرب من أن ينهال سقف البيت على رؤوس صغاره، أو أن تبتلعهم أمواج البحر المتلاطمة التي ترتفع كالجبال مع هبوب الرياح الشديدة، وبصوت الألم تساءل: "ماذا لو سقط على رءوسنا الذي نخره الصدأ وبدأنا نسمع صوته؟! سنموت طبعا".

     

    مضى يقول: "في الصيف لا تخف حجم المعاناة، بل تزيد أضعافاً بسبب الحر الشديد وانتشار الحشرات والقوارض في كل مكان، وبمرارة استدرك: " هذا الصيف كدنا ننصهر، وكأننا في فرن".

     

    ولم تتوقف تفاصيل معاناته عند برد الشتاء وحر الصيف بل امتدت لتطال صحة صغاره الذين يعانون من الأمراض المعدية بصفة دائمة لعدم توفر الجو الملائم، وعدم قدرته على الحياة الصحية السليمة لهم.

     

    وبعد تنهيدةٍ طويلة أردف:"أشعر وكأني أقطن في آخر الدنيا فأقرب مركز صحي يبعد أكثر من ثلاث كيلو مترات والمواصلات صعبة جداً.. فنحن في منطقة نائية وبعيدة، وحتى المدارس طريقها طويلة والأولاد يعانون الويلات ليصلوا إليها سواء بالشتاء أو الصيف".

     

    وتمنى زعرب أن تصل صرخاته إلى آذان المسئولين ويعيدوا له بيته الذي شُرد منه وينقذوا أطفاله من الألم والتشرد وضياع المستقبل.

     

    تحت خط الفقر

    وكان رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب الفلسطيني جمال الخضري قد كشف مؤخراً عن أن 80 في المائة من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر.

     

    وقال الخضري إن "عشرات الآلاف من العمال لازالوا بدون عمل، ومليون فلسطيني يعيشون على المساعدات ومعدل دخل الفرد اليومي دولارين".

     

    وشدد على أن الحصار الإسرائيلي ما زال يدمر أهم القطاعات الرئيسية في قطاع غزة، فضلاً عن آثاره الإنسانية الخطيرة على حياة سكان القطاع.

     

    وأشار الخضري إلى أن سكان غزة لازالوا يقبعون في سجن مغلق ولا يتمتعون بحياة كريمة , ولفت إلى أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة زادت من معاناة السكان وأضاف :" فعشرات الآلاف من الأسر التي دمرت الحرب بيوتها لا تمتلك اليوم السكن بسبب عدم السماح بإدخال مواد البناء".