• شارك برأيك
    english

    محمود يشق طريقه ببسطة بحثا عن الفرح بين أشواك الفقر

    يستعد محمود ليوم زفافه في الثامن من الشهر المقبل ، بعد صراع خاضه مع مرارة الحياة وصعوبة الأوضاع الاقتصادية امتد لأكثر من عشر سنوات .ففي ظل الفقر والبطالة والحصار الذي زاد الطين بلة لم يجد محمود ابن السابعة وعشرين عاما حلا سوا بيع الحلوى والمسليات على بسطة صغيرة نصبها في أزقة مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة .محمود الأكبر من بين أخوته فقد والده وهو في العاشرة من عمره ، فتحمل الأعباء المالية لأسرته المكونة من سبعة أشخاص منذ صغر سنة ، ولم يذق للحياة طعما سوى المرارة التي اعتاد عليها .اشترى محمود بما بمبلغ قليل توفر مع والدته حلوى ومسليات علها تعود عليه بمصروف العائلة اليومي ، وتغنيه السؤال والحاجة ، حيث يبدأ مشوار عمله في ساعات مبكرة من كل يوم ، ولا يعود إلا مع اقتراب مغيب الشمس .الخروج من المدرسة والحرمان من التعليم كان لا بد منه كي يتمكن محمود من توفير لقمة عيش لأخوته الصغار الذي تركهم والده خلفه ، وفضل العمل جاهدا كي يوفر لهم مستلزماتهم الدراسية ومصروفهم اليومي .خمسة عشر شيقلا أو أكثر بقليل أي ما يقارب خمس دولارات فقط هو الدخل اليومي الذي يتمكن محمود من تحصيله ، إلا أنه وحسب ما يقول " ريحة البر ولا عدمه " ، مشيرا إلى أنه من خلال مهنته البسيطة والمساعدات التي يحصل عليها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين إلى جانب بعض المؤسسات الخيرية والداعمة ، استطاع توفير احتياجات إخوته ، وتوفير مهر عروسه الذي عقد قرانه عليها قبل عام وينتظر يوم زفافه الشهر المقبل .بسطة محمود المتواضعة تكشف صعوبة الأوضاع التي يحياها ، فيما يدلل منزله الصغير الذي لا يتجاوز الثمانين مترا وتكسوه ألواحا من الاسبست وبدا القدم واضحا عليه من خلال التشققات التي كست جدرانه ، إلى تدهور الحياة المعيشية التي ألمت بسكانه .إلى جانب محمود الذي يجلس خلف بسطته تجمع عدد من الأطفال الصغار دون العشرة أعوام ، الذين يحملون مصروفهم اليومي لشراء الحلوى والمسليات التي يعرضها محمود على بسطته ، وذلك في الوقت الذي عبر عن سخطه من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية ، وشكواه من عدم توفير المبلغ الذي يحصل عليه لجميع احتياجات منزله .الحصار والفقر وارتفاع معدلات البطالة دفع بالعديد من الشباب والفتية إلى البحث عن مهن بديلة عن التي فقدوها بسبب إغلاق المعابر وشل حركة المواطنين وعدم السماح بدخول المواد الخام .ولم يجد الفتية سوى أن يستعينوا ببسطة صغيرة لا تحتاج لأموال كبيرة ليس بوسعهم توفيرها ، كما تمكنهم من توفير أدنى متطلبات الحياة بدلا من لا شيء .حال محمود الصعب هو مثالا حيا لمئات الأسر التي فقدت مصدر دخلها وباتت أياما طويلة دون عشاء ، ولم تجد ما يستر عورتها سوى جدران منازلها التي تخبئ خلفها قصصا من المعاناة ، في حين فضلت تلك الأسر فرش الأرض والتحاف السماء بعيدا عن الطلب والحاجة.يجدر الإشارة إلى أن مخيم جباليا يعد من أكبر مخيمات اللجوء داخل الأراضي الفلسطينية وتبلغ مساحته 11500 دونم ، ويعتبر من المخيمات التي تعاني من كثافة مرتفعة ، ويتميز بمنازله البسيطة التي يكسوها ألواح الاسبست والحديد " الزينقو " في الغالب .ضيق الحال لم يمنع محمود من البحث عن الفرح بين أشواك الفقر والحاجة ليقرر الزواج رغم صغر منزل عائلته الذي يسكن به ، وغلاء تكاليف الزواج والمطالب الملقاة على عاتقه لإتمام زفافه .ومع محاولة محمود الاستغناء عن بعض الكماليات والاكتفاء بالأساسيات الخاصة بترتيبات الزفاف، إلا أنه لم يتمكن من تلبيتها واضطر للمدين لاستكمالها ، لاسيما أن الموعد المحدد لزفافه ليس ببعيد .ويتمنى محمود أن يتمكن من سداد المبالغ التي اقترضها في وقت قريب ، ويطوي ملف معاناة لازمته منذ صغره .سنوات مرت بحلوها القليل ومرها الكثير حسبما يصف محمود ، إلا أن الأمل بتحسن الحال وانفراج الأوضاع الصعبة الذي ملأ قلبه وتفكيره لم يمت