إيهاب: هدموا منزلي وأصابوني بالشلل.. وسأتفوق بالثانوية

يجلس الطالب الفلسطيني إيهاب حجي (18 عاما) على كرسيه المتحرك قبالة منزله المدمر، محتضنًا كتابه وعلامات الإرهاق تبدو جلية على وجهه.. عيناه تبرقان بشعاع أمل وترنوان لتحقيق التفوق والصعود على منصات التتويج، رغم إصابته بشلل في ساقيه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

إيهاب من سكان حي الزيتون -جنوب شرق مدينة غزة- ولم يمض على وصوله إلى مسقط رأسه من رحلة علاجه في تركيا سوى بضعة أيام، إلا أنه أصر على أن يتقدم لامتحان الثانوية العامة، رغم الآلام التي يعاني منها، نتيجة إصابته برصاصة قنّاص إسرائيلي في عموده الفقري، أدت إلى شلل ساقيه.

وقد بدأت امتحانات الثانوية العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل موحد، رغم الانقسام الحاصل بين شقي منطقة السلطة الفلسطينية يوم الأحد الماضي؛ حيث تقدم نحو 87 ألف طالب وطالبة للامتحانات.

ويقول حجي -بعد أن قدمت والدته كوبا من الشاي لمراسل mbc.net-: "لن أسمح لإصابتي أن تحرمني من الامتحانات، وأنا على يقين أني سأحقق هدفي وأتفوق.. أدرك أن الظروف التي مررت بها أثناء الحرب الأخيرة صعبة للغاية، ولكن لا يجب أن أصنع منها معول هدم لحياتي ومستقبلي، وسأحاول أن أطوعها لتدفعني نحو التفوق".

ويضيف -وعلى ثغره بدت معالم ابتسامة رقيقة-: "أنظر إلى المتميزين والمبدعين تجد كثيرا منهم يتعرضون لأشد ظروف الحياة قسوة، وربما هناك من هم في حالي مصابين بالشلل، فكيف تمكن هؤلاء من التميز؟ لا أعتقد بالتواكل واليأس".

ظروف صعبة بعد الحرب

ويوضح الشاب -الذي غاصت عيناه في محجريهما- أن الظروف الاقتصادية لأسرته ازدادت سوءًا، بعد الحرب على غزة، نتيجة هدم منزلهم وتكاليف علاجه التي استنزفت كل ما يملك والده من مال، إضافة إلى غلاء المعيشة في القطاع نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ ثلاثة سنوات.

ويعيش الطالب حجي هو وعشرة من أفراد أسرته في منزل مكون من غرفتين، استأجره والده بعد الحرب، مقابل مبلغ باهظ -300 دولار شهريًّا- نتيجة عدم توفر بيوت للسكن في مدينة غزة.

ويشير إلى أن سبب إصابة ساقيه بالشلل، لعدم نقله للمستشفى واستمرار جرحه ينزف لثلاثة أيام بعد إصابته، مبينًا أنه تم تحويله للعلاج في تركيا، وأجرى هناك ستة عمليات في عموده الفقري وساقيه.

مسعود.. وحلم الجامعة

ليس حجي هو الطالب الوحيد الذي أصيب في حرب غزة، فغيره كثيرون ممن كانوا ضمن بنك الأهداف الإسرائيلي فتم استهدافهم، وباتت المعاناة وآلام وآثار الإصابة جزءا من حياتهم.

الطالب حازم ماهر مسعود (18 عاماً) هو الآخر يتجرع كل يوم آلام إصابته بشظية صاروخ إسرائيلي في الرأس، تركت بصمة لها في كل جانب من جوانب حياته، وكان الأثر الأكبر لها في دراسته التي كاد أن يتركها نتيجة عدم قدرته على الحفظ والتركيز والصداع الشديد الذي يصاحبه طوال يومه، ولكن أمله في التفوق وتشجيع والديه حال دون ذلك.

ويقول مسعود -بينما يحاول والده أن ينهضه من سريره-: "منذ بداية العام الدراسي، وأنا أجتهد في دراستي، وتمكنت من حفظ كثير من المنهاج الدراسي، ولكن بعد أن أصبت في أول أيام الحرب بشظية صاروخ قصفته الطائرات الإسرائيلية على سيارة في مدينة غزة، فقدت كل ما حفظته، وها أنا أحاول من جديد وكلي أمل في تحقيق النجاح.. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا".

ويضيف الطالب -ذو البشرة السمراء-: "بالأمس قدمت امتحان اللغة العربية، والحمد لله تمكنت من الإجابة على جميع الأسئلة، وآمل من الله أن أحصل على معدل متميز هذا العام، حتى أتمكن من الالتحاق بالجامعة كبقية الطلاب".

أمل وصمود

الناظر في عيني مسعود، يدرك أنها تحمل معاني الأمل والصمود الممتزج بالتحدي والعمل، فرغم إصابته في رأسه ويده وقدرته البسيطة على المشي والصداع الشديد الذي لا يفارقه، وتدني قدرته على الحفظ، إلا أنه يستغل كل دقيقة من وقته محاولًا أن يحفظ ولو كلمة واحدة من منهاجه الدراسي الذي تميز بصعوبته هذا العام، على حد وصف الطلبة.

ويشار إلى أن مسعود الذي يتلقى علاجًا طبيعيًّا ليتمكن من المشي بشكل أفضل في مستشفى الوفاء، مكث ثلاثة أيام في مستشفى الشفاء مجهول الهوية، وأنه أمضى شهرًا كاملًا في قسم العناية المركزة في مصر نتيجة خطورة إصابته، على حد قوله.

ويقطن الشاب الفلسطيني في حي الدرج -وسط مدينة غزة- مع ثمانية من أفراد أسرته، في وضع اقتصادي متوسط، يزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ نتيجة تعطل والده عن العمل وتكاليف العلاج الذي يتلقاه في مستشفيات القطاع.

هكذا هي غزة؛ تجتمع المتناقضات، فرغم الحصار والحرب وظروف الحياة القاسية، فإن شمس الأمل لم تختف من سمائها، وبقي نورها يضيء طريق التفوق والنجاح لأبنائها وطلابها الجرحى الذين يحاولون في كل يوم أن يكونوا أكثر تميزًا، رغم ما يعانونه من آلام الإصابة وذكريات الحرب.