• شارك برأيك
    english

    " إنسان أون لاين " يصحب عائلة فلسطينية "مستورة "في يوم رمضاني

    لم تؤذن الشمس بعد لأشعتها باختراق الأرض ترسل إليها أنوارها الذهبية الواهجة، ما زالت قطرات الندى ترطب البساتين الخضراء، وحدها الطيور والعصافير من أيقظها نور السماء فراحت تزين أجوائها بزقزقات تدخل الفرح إلى القلوب إذا ما استرقت إليها السمع في غفلة نوم لم تدم طويلاً بعد ساعات الفجر.هناك في بقعة من الواحة الغناء بشمال قطاع غزة حيث الحقول المزدانة بالمحاصيل والثمار الناضجة تقطن الحاجة فاطمة في خمسينيات عمرها الوردي، ما إن تداعبها عصافير الصباح بزقزقتها المتناغمة من خلف شِّباك نافذتها حتى تؤذن لأجفانها بالانفتاح تبسماً داعية الله أن يؤتها خير يومها وخير ما بعده ويقيها شر ما فيه ويبعده عن تفاصيل حياتها.ما إن تتجه عقارب الساعة عند السادسة صباحاً حتى تجدها خرجت من بيتها المتواضع إلى حديقة لا تبلغ غير أمتاراً يسيرة زرعتها بيدها وروتها من عرقها وجهدها وكدها، تنزع الحشائش الضارة التي أحاطت بأحواض الملوخية والجرجير، ترويها فتصبح يانعة بعدما ذبلت ساعات الليل، وما هي إلى دقائق قليلة حتى تتحول إلى كوخ الدجاج والبط تطعمه وتسقيه ما لو كانوا أولاداً لها وبعد انقضاء ساعات الصباح الأولى تؤوب إلى بيتها تبصر احتياجات أبنائها الخمسة خاصة الثلاثة الصغار حيث بينهما معاق يحتاج إلى مزيد من الرعاية والاهتمام.

    وضع اقتصادي مأساوي

    تعاني الحاجة فاطمة كما غيرها من وضع اقتصادي سيء للغاية، فالزوج بداية كان عاملاً في الأراضي المحتلة عام 48 ومنذ سنوات الانتفاضة أضحى عاطلاً عن العمل لا يملك توفير القوت اليومي لعائلته كما أنه يعاني من مرض الربو ويحتاج لعناية صحية وعلاجات طبية بين الحين والآخر، أما الأبناء الخمسة فاثنين منهم يعملون في أجهزة الشرطة لكنهم لا يتقاضون رواتبهم حيث أن تعيناتهم كانت متأخرة قبل عملية الفصل والحسم العسكري في غزة بعام أو أكثر قليلاً ، الشابان يعيلان أسراً إحداهم لديه طفلين أما الآخر فيعول فقط زوجته ونفسه حيث لم يرزق بأطفال، وتستطرد:" يعانون كثيراً من انقطاع رواتبهم ولولا أنهم يعيشون في غرف في بيتي لما استطاعوا توفير ثمن الإيجار ولكان الشارع مثواهم وملاذهم في ظل حالة الفقر والعوز التي يعانوها فلا مصدر رزق لديهم سوى رواتبهم وقد ولت عن جيوبهم طويلاً دون ذنب يقترفوه فقط لأن تعييناتهم حديثة ".وتستكمل السيدة :" نعيش في بيت بلا نوافذ ولا أبواب فقط أرضية وجدران ونوافذ مفتوحة وأبواب لا توصد إلا بستار نهاراً وبلوح من الزينكو ليلاً ، مشيرة إلى أن بنية المنزل حديثة ومع الضيق الاقتصادي لم تستطع وأبنائها استكمال تفاصيله فاستعاضت عن السقف ببعض ألواح الزينكو المهترئة أما النوافذ فتغطى بشادر من النيلون الثقيل لكنه بدا ذائباً بعدما أعملت الشمس أشعتها الحارة فيه فكان كشبكة صيد فكت غزلها فئران الليل الضالة، أروقة المنزل ليست كثيرة تكاد تخلو من الأثاث بضعة فرشات أرضية ووسائد وحصيرة تتوسط غرفة المعيشة والضيافة من شأنها أن تشوه ملامح البناء الجديد لكنها تستره من العراء، قالت الحاجة فاطمة ، وأضافت :"كثيراً ما الاحتياجات نعجز عن توفيرها لكننا بفضل الله ما زلنا على قيد الحياة ".

    الشئون الاجتماعية طوق النجاة

    في ظل الوضع الاقتصادي المأساوي الذي تعانيه أسرة الحاجة فاطمة فإن الأمل لديها بتلبية المزيد من الاحتياجات الضرورية خاصة في ظل استقبال شهر رمضان وتزامنه مع موسم المدرسة يتضاءل قليلاًن فلا مورد ثابت لديها إلا بعضاً من طيورها السمينة تعرضها في السوق لبيعها وجلب حاجيات الطعام من ريعها، أما بستانها الأخضر فهو وجبات غداء مفيدة لها ولأولادها وحفيديها حيث تعمد إلى طهو الملوخية الطازجة على شوربة مكعب ماجي دون دجاج أو لحم وتستثمر الجرجير لصناعة طبق من السلطة مع حبات طماطم قليلة فقط ورشة ملح وحامض الليمون في ظل ارتفاع سعر ثمر الليمون في الأسواق، أما بقية الاحتياجات الأخرى فتحاول تحصيلها من راتب الشئون الاجتماعية الذي تتلقاه لابنها المعاق.تقول الحاجة فاطمة:" لولا هذا الراتب الذي لا يتعدى المئتين شيكل وأحياناً طويلة يتأخر أمر وصوله إلينا، لكان التسول طريقنا للعيش ولكن الحمد لله " ، تبرق في عينيها دمعة تعلق بصرها عالياً وتجول بنظرة حزن قاتمة المكان ما تلبث أن ترسم ابتسامة على ثغرها بعدما انتبه لبكائها ابنها المعاق، أشارت أن راتب الشئون الاجتماعية يساعدها كثيراً على تأمين احتياجات أبنائها بالإضافة إلى السلال الغذائية التي تصرف له أحياناً وكذلك كابونات وكالة الغوث فهي مصدر مائدتها اليومية سواء في رمضان أو غيره إذ أنها تحتوي أنواعاً من البقوليات كالفاصوليا والعدس الأسمر والزيت والسكر والأرز والدقيق، ويأخذنا الحديث هنا عن تدبيرها لمائدتها الرمضانية في ظل ظروفها القاسية تبتسم وتدعونا لدخول مطبخها لنرى ونسمع أيضاً كيف يكون لها ذلك.

    مائدة رمضانية زهيدة

    تزداد عبقرية الحاجة فاطمة في إدارة أمور بيتها وفق إمكانياتها المعدومة تقريباً إلا من مساعدات الشئون الاجتماعية المادية ووكالة الغوث العينية، في شهر الخير والبركة رمضان فتبدع أطباقاً غذائية عالية القيمة في السحور والإفطار.والبداية من حيث السحور حيث يشكل طبق الجبن الأبيض أو لبن الخضيض طبقاً أساسياً على مائدة سحورها إضافةً إلى طبق الفول المدمس وكوب الشاي بالنعناع، تقول المرأة :"أما الجبن واللبن فأصنعه بيتياً من حليب الأونروا ثلاثة أكياس من الحليب تكفيني لصنعها لشهر كامل لكني أعمد إلى صنعها كيس واحد لأحافظ على طعمها في ظل التبريد السيئ للثلاجة خاصتي أحرص على أن تكون طازجة فتكون قيمتها الغذائية جيدة وكذلك طبق الفول المدمس والحمص أصنعه من الكابونة فيكونا طبقين جيدين للسحور مع قليل من الطماطم إن وجدت وإلا فوحدهما يكفيان " وراحت تشير إلى ثلاجتها أخرجت منها وعاء بلاستيكي ملأته بالجبن الأبيض والآخر احتوى على لبن الخضيض.أما وجبة الإفطار فهي أيضاً بسيطة خالية من اللحوم والطيور غالباً إلا فيما ندر يومها الأول كان مع طبق العدس المدشوش، مشيرة أنه طبقاً رئيسياً تنجزه بفتات الخبز وتزينه بالبصل الأخضر والفجل والجرجير إضافةً إلى دقة الفلفل والليمون التي تضيف إليه نكهة شهية، أما الأيام الأخرى فتباينت بين الفاصولياء والمجدرة والأرز الأصفر على دجاجة من حظيرتها لافتة أنها كانت في الجمعة الأولى من رمضان إضافة إلى الملوخية التي تصنعها على شوربة الدجاج إن وجد أو على مكعب"ماجي " دون لحوم ويجاورها طبق السلطة، أما الشوربة فقد تبرعت لها بها شقيقتها وحكايتها مثيرة، قالت شقيقتي :" تملك قطعة أرض تزرعها بالقمح وفي كل موسم حصاد تأتيني بقليل من القمح لأصنعه دقة تصلح لسندويتشات الفطور والعشاء لكني قمت بجرشها لأصنع منها طبق الشوربة الشهي مع قليل من الخضروات كالكوسا والبطاطس والذرة فتمد أسرتي بالطاقة بعد اثني عشرة ساعة من الصيام ".تأمل الحاجة فاطمة أن تتبدل أحوال أسرتها أن يعود راتب أبنائها إلى جيوبهم بعد أن غادرها طويلاً أن تستطيع تؤمن المواصلات لابنها الأصغر ليغدو إلى مدرسته غير منهك القوى بعد قطع مسافة طويلة ماشياً على قدميه، أن تتحسن أوضاعها الاقتصادية فلا تضطر لبيع دواجنها وخضرواتها لتؤمن قوت يومها أن تشرق شمس من نوع آخر على بيتها المكشوف لأشعتها شمس تلامسه بدفء تتسلل إليه من نوافذها المغطاة الزجاج السميك لا الشادر المتهالك، وتبقى الأمنيات في حيز القلوب عسى أن تبرز للواقع.