• شارك برأيك
    english

    رتوش من حكايا الغزيين تحت الحصار

    لقد تفاجأ يوسف ابن الخامسة عشر من عمره باستغناء الرجل الذي يعمل معه في مطعم شعبي لبيع الفول والفلافل عنه بعد انقضاء شهر رمضان المبارك .لكنه سرعان ما استوعب الصدمة, فالتقليص للعمال والحرفيين في الحارة الشعبية الضيقة متواصل ، فوجد هذا الفتى الذي ترك المدرسة قبل عامين نفسه مضطرا إلى أن يصنع عربة صغيرة يركنها بجوار منتزه الشاطئ بغزة ويبيع جيرانه " الفلافل " ،وفي هذا الصدد تقول أمه " زوجي حيله كبير " في إشارة منها إلى عدم رغبته في العمل إلا في مجال عمله وهو البناء ، وتتابع المرأة :" لا أحد يبني حجرا واحدا اليوم في غزة ، فمن سيقصد زوجي للبناء " ، وتستكمل حديثها وهي مشفقة على ابنها من النار والزيت :" مكونات صنع الفلافل أخذة بالارتفاع والناس لم يعودوا كما الأول في الشراء .. لكننا بحمد الله بما نحصل من بضعة شواقل نستطيع جلب الخضار ونستغني عن انتظار العون من أحد ، فهذا قدرنا نحن الفلسطينيين وما يهون علينا أن هذا حال الشعب كله ".وهنا يستكمل يوسف الحديث عن أمه فيقول :" يأتي لي بعض الجيران ويشترون الفلافل بالدين أنهم فعلا قد لا يستطيعون دفع الشيكل أو الاثنين لشراء العشاء ، أدعو الله الكريم أن يكون في عون الجميع ".

    لا تمنعوا دواء ابني

    مباشرة بعد سماع خبرنفاذ الغاز المخصص للعمليات من مستشفيات غزة والحديث عن نقص في أصناف من الأدوية ، سارعت أم تامر لمستشفي الأعصاب والطب النفسي بحي النصر لجلب الدواء لرضيعها ، كانت قلقة جدا من أن يصل " العدم " لهذا الدواء ، تقول أم تامر :" يبدو الوضع خطير ، لقد حاولت أن أقنع الصيدلانية في المستشفي بأن تعطيني أكثر من شريط لكنها رفضت .. أنا لا أتخيل أن أري ابني يتألم دون أن أستطيع أن أعطيه الدواء ".أم تامر مواطنة فلسطينية تعيش في منطقة الصفطاوي شمال قطاع غزة ، وهي زوجة لرجل كان يعمل " مكوجي " في أحد مصانع الخياطة المحلية ومنذ عدة شهور لا يعمل ، كيف تدبر أمورها سؤال موجع جدا بالنسبة لها فهي أم لخمسة أطفال أكبرهم في الحادية عشر من عمره ، تقول المرأة :" نعيش على التموين الخيري ومساعدات مالية قليلة من الأقارب ..هكذا ممكن أن أجمل لك الحديث عن تدبير الأمور .. لكن كيف ؟ لو جلستي معنا سترين الكثير ... تامر لا يعجبه اليوم العدس فينزل بطبق لبيت جده ليأتي بخضار مطبوخ ، ومرام لا تذهب إلى المدرسة بدون مصروف فتقاسم ابنة عمها مصروفها القليل، أما عبد الرؤوف فقد مل من انتظار بنطلون الجينز الجديد للمدرسة .أم تامر تبكي بحرقة حالهم تقول أنها سمعت أنه أصبحوا لا يبنون القبور لعدم وجود الإسمنت فتدعو الله الكريم أن يرحمنا تحت الأرض وفوق الأرض ويوم العرض ، وعن زوجها تقول أنه مل المكوث في المنزل أو في ساحته وتعب من كثرة المطالب وعدم قدرته على تلبيتها.

    حصار الأفراح

    رندا فتاة فلسطينية في الثامنة والعشرين من عمرها خطبت منذ عدة شهور لشاب فلسطيني يقيم في الإمارات العربية المتحدة ، حلم رندا اليوم فتح معبر رفح الحدودي أو حتى نبأً من وزارة الشئون المدنية يعلمها بأن اسمها ضمن قائمة الخارجين من القطاع عبر معبر العوجا ، وهدفها أن تبدأ حياة جديدة في كنف زوجها الذي حال حصار غزة دون وصوله إليها ليتما معاً تفاصيل زفافهما وسط تباشير فرح تغمر ملامح الأهل حينما يشاركوهم حفل الزفاف .تقول رندا :" بت حبيسة في غزة ولا أعلم متى سيكون الإفراج عنا ، أنا أعيش على أمل الانفراج القريب لهذا الوضع المأسوي " ، عن تفاصيل قصتها مع الحصار تقول رندا :" لقد اشتريت جهاز العرس في سبعة أيام وبعد الاستعداد للسفر كانت الصاعقة بإغلاق المعبر ومع مرور الوقت والحديث عن استخدام معبر العوجا كان شرط الخروج بوزن معين يعني بالنسبة لي ترك 80 % من جهازي وهذا كان مؤلما إلا أني استعديت للسفر بدون جهازي وهذا لم يتم حتى الآن ".تجلس رندا يوميا للحديث مع خطيبها على الانترنت عن هذا الوضع المأسوي المفروض عليهما ، ساعة تراهم أكثر أملا وساعة أخرى يحاصرهم الحصار فيستعينون بالله الكريم بأن يكون الفرج قريب .

    الوضع في تفاقم مستمر

    في تصاعد طردي يتفاقم الوضع المعيشي بغزة نحو السوء وعلى كافة الأصعدة ، الإحصائيات والدراسات التي ترصد حال الفلسطينيين تؤكد ذلك ، وكما يقول الغزيين كل شيءعلى عينك يا تاجر ".مدير دائرة التموين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) ناصر جبر قال أن استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة سيؤدي إلى كارثة إنسانية. وقال جبر إن "قطاع غزة يعيش منذ عام 2000 وحتى الآن في أزمة اقتصادية متواصلة، وقد تفاقمت الأزمة منذ حزيران/ يونيو ،2007 فكل المعابر وفي معظم الأحيان تكون مغلقه أمام حركة البضائع والمواطنين والتواصل مع العالم الخارجي ، وأكد أن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة مقبل على كارثة إذا استمر هذا الحصار الاقتصادي والإغلاق للمعابر، لاسيما إذا نفذت التهديدات الإسرائيلية بتقليص كمية الوقود والمواد التموينية والكهرباء .