• شارك برأيك
    english

    جولة في قلب الحصار ..ما رأيته في غزة..

    شبح الموت

    لقد تضررت كافة شرائح المجتمع من هذا القرار، لكن المتضرر الأكبر هم المرضى، وخاصة الذين يرتبط بقاءهم على قيد الحياة بعد أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ بوجود الكهرباء، فقد أعلنت وزارة الصحة أن (1700) مريض وأطفال الحضانات والمرضى في أقسام العناية المركزة وأقسام غسيل الكلى يتعرضون للموت البطيء، وأن غرف العمليات توقفت في مستشفيات القطاع.في زيارة لمستشفى النصر للأطفال، البداية في قسم العناية المركزة، هناك طفلين تتراوح أعمارهم مابين عام ونصف وعامين، المنظر كان مؤلما جدا، فقد كانا يتنفسان عبر الأجهزة المرتبطة بالكهرباء، كان أحدهما نائما، أما الأخرى وهي طفلة جميلة، تتلألأ من عيونها البراءة، فقد كانت مستيقظة، تجول بعينيها يمنة ويسرة، التقت عيناي وعيناها فشعرت أني مشارك في حصارها، إذ لا أستطيع أن أدفع عنها شبح الموت، لا أستطيع أن أخدمها وغيرها ممن يعذبون إلا بهذه الكلمات.د. رفعت جندية (طبيب في القسم) يقول "بقاء هؤلاء الأطفال على قيد الحياة يتطلب وجود التيار الكهربائي على مدار الساعة، انقطاع الكهرباء عن الأجهزة التي تساعدهم في التنفس المترتب على فقدان الوقود سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى وفاتهما".وحول مخزون المستشفى من الوقود يقول إن الكمية الموجودة قليلة جدا، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فان المستشفى سيكون بالتأكيد أمام كارثة خطيرة. "ألم يقرر بعض كفار مكة زمن الحصار الذي فرض على النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نقض وثيقة الحصار الظالم؟، فلماذا لا يقدم إخواننا العرب والمسلمون على ذات الخطوة، لماذا لا يكسروا هذا الحصار، الذي يخطف يوميا طفلا أو امرأة أو شيخا؟" بهذه العبارات تساءل مواطن فلسطيني رأى ضرورة أن يدون كلماته.ومنه إلى قسم الحضانة في نفس المستشفى، هناك ستة حالات في تلك الحضانات، أطفال في عمر الزهور، في مقتبل العمر، مهددون بين عشية وضحاها أن يفارقوا الحياة، دون أي جريرة ارتكبوها. د. علاء صيام (أخصائي أطفال) أفاد إن هذه الأجهزة تعمل على الكهرباء، وهي ضرورية جدا لبقاء هؤلاء الأطفال أحياء، وتوقفها لأي لحظة قد يسبب ما لا نتمناه جميعا، وهو فقدان هؤلاء الأطفال، الذين لا ذنب لهم. ويضيف "ينبغي على كافة المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان العمل بشكل جاد لإنقاذ هؤلاء المرضى".

    في قسم غسيل الكلى

    كان المكان التالي هو قسم غسيل الكلى بمستشفى الشفاء، هناك كان المرضى على أسرة المستشفى يجرون عملية الغسيل للكلى، نظراتهم كانت غريبة، في أعينهم الكثير من الكلام، تلك النظرات تعني أنهم يشككون في أن المجيء في اليوم القادم سيجعلهم يجدون الأجهزة خامدة.تقول سيدة عجوز ارتسم الألم على وجهها "لماذا يقطعون الكهرباء عنا؟، ولماذا يستمر هذا الحصار الظالم علينا؟، أليس من حقنا أن نعيش كباقي شعوب العالم؟، ألسنا مسلمين؟، ألسنا بشرا؟، حرام عليهم، فليتقوا الله فينا، ليعلموا أن الله أقوى منهم؟، ليعلموا أن الله قادر عليهم؟، وسينصرنا عليهم ـ إن شاء الله ـ". سيدة أخرى تقول وهي تنتظر دورها في الغسيل "والله حرام هذا، والله حرام عليهم، نحن بشر، نحن مرضى، فليحترموا المرضى على الأقل، أنا وغيري نغسل هنا ثلاثة مرات في الأسبوع، إذا توقفت هذه الأجهزة التي تراها سنموت، نحن نواجه خطر الموت".طفل آخر قال بحسرة: "إذا قطعت الكهرباء سأموت".

    مشنقة الحصار

    رائحة الموت تفوح من كل حي في قطاع غزة، ومطلب المواطنين هو ذاته، ارفعوا مشنقة الحصار عنا.هذا الحصار لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تعطلت كل أسباب الحياة بفعل قطع إمدادات الوقود، ليصل إلى آبار المياه التي تغذي غزة بالمياه الصالحة للشرب.يفيد سعد الدين الأطبش (مدير المياه والصرف الصحي في بلدية غزة) بأن آبار المياه التي تغذي (600) ألف نسمة بالمياه الصالحة للشرب توقف (70%) منها عن العمل، والبقية على الطريق.ويضيف " ستتوقف قريباً بقية هذه الآبار، وهو ما يعني عدم توفر مياه الشرب في غزة"، محذرا من المخاطر المترتبة على توقف هذه الآبار. كبرى مضخات القطاع الموجودة في حي الزيتون شرق مدينة غزة أصيبت بالشلل، وهي التي تنقل مياه الصرف الصحي لأحواض المعالجة، مما أدى إلى انتشار هذه المياه على مساحة كبيرة جدا، تحيط بها النفايات من كل جانب. وليد شحادة (مراقب محطة) قال أن مولد كهرباء المحطة، كان يفترض أن يحتوي على (20) ألف لتر من الوقود، ليحول (30) ألف لتر مكعب من المياه العادمة يوميا للمعالجة.ويضيف أن المحطة تخدم الكثير من الأحياء، وتوقفها عن العمل يعني وصول المياه العادمة إلى داخل البيوت. أحد المواطنين قال لنا "أنا عندي أطفال، وعندي زوجتي العجوز المريضة، هذه الروائح أثرت عليها سلباً، الوضع هذا خطير جدا على حياتنا، لا نستطيع أن نتحرك هنا مطلقا".وقال آخر بصوت مرتفع وقد انتفخت أوداجه "وضعنا خطير للغاية، أيها العرب، أيها المسلمون: نحن نعيش في مياه الصرف الصحي, هذه الحالة إذا استمرت ليوم أو اثنين ستؤدي إلى كارثة بيئية بفعل انتشار البعوض والأوبئة والروائح الكريهة".