• شارك برأيك
    english

    أهالي الأسرى..معاناة مستمرة مع كل زيارة

    مع غرة كل شهر يخرج هشام الفقها من منزله في مدينة نابلس مرة متوجها إلى طريق هو أشبه بالمجهول لديه، هشام لم يتجاوز عمره ثلاثة عشر ربيعا ينهض قبل آذان الفجر يتناول فطوره، ليس ككل يوم، يقبل والدته ويحضنها قبل أن يخرج من البيت، وهي في شدة الخوف على ابنها الصغير، وقبل أن تصل أشعة الشمس عينيه العسليتين وهو متكئ برأسه على زجاج الحافلة التي ستقله إلى سجن مجدو لزيارة أخوته، يكون هشام هناك مع عشرات الأفراد من الأهالي المتوجهين لزيارة ذويهم.هشام الوحيد الذي يسمح له بزيارة أخوته جميل ومحمد القابعان خلف قضبان الاحتلال بسبب الرفض الأمني لبقية أفراد أسرته، قابلناه في محاضرة عقدت حول الصعوبات التي تواجه الأسرى وذويهم طوال فترة اعتقالهم وما بعد الإفراج عنهم.

     

    مسؤولية كبيرة

    يقول هشام وابتسامة رسمت على محياه الصغير " ما في إلا أنا بالبيت بقدر ازور إخواني، وأنا بحبهم كنير وبس أروح عندهم يكونوا مبسوطين وفرحانين بمجيئي"، كانت كلماته قليلة جدا ولكن عند سؤالنا عن المشقة التي يعيشها لم يذكر منها إلا القليل ما دام باستطاعة إخوته رؤيته 45 دقيقة مرة في الشهر.وذكر هشام " اخرج باكرا، وفي أول زيارة كنت خائف جدا، خاصة أني وحدي ولا اعرف شيء، وأخاف من الجنود كثيرا عندما يسألوني ويدققون في تصريحي وشهادة ميلادي، ولكني تعودت على الطريق، وأصبحت أغفو قليلا بعض الأحيان بعد كل تلك المرات ".وتابع هشام في طلبنا منه لوصف إحدى الزيارات قائلا" اخرج من المنزل الساعة الخامسة فجرا وأعود إلى المنزل الساعة الثامنة ليلا، أول محسوم بعد محاسيم الضفة نصل لحاجز الطيبة الساعة السادسة صباحا ننتظر هناك ثلاث ساعات حتى يسمح لنا بالنزول من الباصات ونمشي مسافة، طبعا ممنوع ازور بدون كفيل، ولا كفيل لي من العائلة وأصبحت أتعرف على أهالي جدد وفي كل مرة أقوم بإيجاد كفيل لي يتم تأميني معهم، مرة حاولوا منعي ولكني قمت بحمل طفل صغير حتى استطعت المرور، بعد معاناة كبيرة من تفتيش وتدقيق وانتظار لساعات في الحر، خاصة أنها منطقة حارة ومتعبة ومرهقة يسمح لنا بالدخول، وعندما التقي بأخي كانوا يصرخون علينا بالسكون واخفاض أصواتنا، وكنت بصعوبة كبيرة اسمعه، ومرة حاولت احتضانه واستطعت ولكنهم فصلونا عن بعض، وبدأت بالبكاء".تقول والدة هشام " لي أسيرين، محمد 17 سنة وجميل 21 سنة، وهشام هو الوحيد الذي يسمح له بزيارة إخوته بسبب رفضنا الأمني الذي لا مبرر له، يخرج مرة بالشهر لزيارة احد إخوته وهكذا، وفي كل زيارة يخرج فيها أضع يدي على قلبي من شدة الخوف عليه، فهو صغير في السن ولا يتحمل مشقة السفر والطريق، ولكنه رغم ذلك يصر على الذهاب لرؤيتهم، أهالي الأسرى في عذاب مستمر، فالزيارة وحدها مأساة حقيقية، وعذاب نفسي نعيشه لبعد أبنائنا عنا".

     

    طريق شاق

     

    وتشير لبابة ذوقان ابنة الأسير غسان ذوقان أن المعاناة التي يتكبدها أهالي الأسرى والإذلال الذي يتعرضون له للوصول إلى أسراهم ورؤية أبنائهم مضاعفة، فكما الأسير بالسجن معتقل خلف القضبان يعاني الأمرين من جرائم الاحتلال والتعذيب، يكون الألم مضاعف لدى الأهالي، وقد مضى على والدي عام وثماني شهور وطوال تلك الفترة وهو موجود على الاعتقال الإداري، وهو الم مضاعف، فيكون الأسير وذويه على أعصابهم ويمدد له في يوم الإفراج، ولا يسمح للمحامي بالاطلاع على ملفه بحجة انه سري، ولا يطلع عليه سوى القاضي".وتصف ذوقان وقت الزيارة بالمأساة، يكفي المعاناة التي نمر بها من اجل الحصول على أذن للزيارة، هناك زيارة شهرية فقط له وبعض الأحيان لا نحصل على تصريح بحجة أمنية، أما معاناة الوصول واللقاء هي أمر، والدي اعتقل ولم ير حفيدته الصغيرة، وفي آخر زيارة لنا كانت معي وخرجنا من المنزل في تمام الساعة الرابعة فجرا من اجل الوصول مبكرا وفي تمام الساعة السادسة انطلقنا، وعند معبر الطيبة نمر بحواجز وبوابات حديدية تمتدد لعشرات الأمتار، حتى نصل لنقطة التفتيش والتدقيق ويتم عرضنا لآلة إشعاعية يقف المرء داخلها ويضع قدميه متباعدتين على نقاط محددة ويرفع يديه، لتلتقط له الآلة صورة لكامل جسمه للتأكد من خلوه من أي جسم مشبوه.وذكرت ذوقان، هناك بيننا نساء حوامل وأطفال رضع يمرون عبر تلك الآلة الخطيرة وغير الأخلاقية والإنسانية وغير صحية، بعدها نصعد إلى حافلة أخرى للوصول إلى سجن النقب الصحراوي، ونعبر طريق صحراوية خالية سوى من المستوطنات والأعمدة الكهربائية وشمسها الحارقة، ثلاث ساعات نمضيها حتى نصل إلى السجن وهو مكون من أسلاك شائكة وأبراج مراقبة وخيم الأسرى ورمال الصحراء وأشعة الشمس الحارقة، حتى يسمح لنا بالزيارة ورؤيتهم.وتتابع لبابة حديثها واصفة حال الأسرى خلال الزيارة:"جميع الأسرى يكونون متلهفين لرؤية أحبتهم وأهلهم، يصطفون على مقاعدهم والشوق يملأ عيونهم، رؤيتنا لهم وهم في هذا الحال كانت صعبة، خاصة عندما ترى أم تبكي ابنها بحرقة تريد أن تقبله وتعانقه ولا يسمح لها الجندي بذلك، الزيارة تكون مليئة بالمشاهد المؤثرة التي من الصعب نسيانها".حتى اللقاء-تصف ذوقان- صعب للغاية، فلا يسمح لنا لا بعناق والدنا ولا لمس يديه، سمح فقط لابنتي الصغيرة ابنة السبعة شهور من عناق جدها وذلك بعد طول حوار مع الجنود ومعاناة كبيرة للسماح لها، كانت لحظة لا تنسى وصعبة للغاية، فهو المرة الأولى التي يرى فيها حفيدته.

    انتهاك حقوق

    وبدوره، قال وسام سحويل من مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب أن أهالي الأسرى يحتاجون إلى تأهيل كما الأسرى بعد خروج أبنائهم، فكثير من الأسر والأمهات بالذات يتعرضون لصدمات نفسية لفقدان أبنائهم واعتقالهم، خاصة الأسرى الأطفال، وبعد خروجهم من الأسر يكون هناك حياة مختلفة تماما عنها في السجن ويحتاجون إلى رعاية خاصة وطريقة خاصة بالمعاملة والأهالي يحتاجون إلى معرفة تامة بكيفية التعامل مع أبنائهم بعد الإفراج عنهم.وأضاف هناك حالات متزايدة تصلنا إلى المركز من اجل تأهيلهم ومنحهم الرعاية اللازمة، وقد بلغ عدد أسرانا قرابة 11 ألف أسير بينهم 450 طفلا و69 أسيرة، يتعرضون لانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان ويتعرض ذويهم لمعاناة كبيرة تختلف أنواعها وأشكالها التي تؤثر على حياتهم الاجتماعية والعملية.