• شارك برأيك
    english

    المستوطنات ..مصنع لإنتاج المكاره الصحية في الضفة الغربية

    تبقى مشكلة المياه العادمة التي تنتجها المستوطنات المنتشرة في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية هماً يؤرق المواطن الفلسطيني، وقد ذكر تقرير أصدرته منظمة بتسيلم الإسرائيلية الناشطة في حقوق الإنسان تحذر فيه من مغبة الاستمرار في طرح المياه العادمة لمجاري المستوطنات وعدم إخضاعها للمعالجة.وأشار التقرير أن حوالي 91 مليون متر مكعب من المجاري في العام تنتجها الضفة الغربية-من المستوطنات، أجزاء من القدس والبلدات الفلسطينية- ، وقد أدى الإهمال المتواصل إلى مضايقات شديدة في أنحاء الضفة الغربية مما قد يؤدي إلى تلويث حوض الجبل، وهو مصدر المياه الأهم والأكثر جودة بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى مدار أكثر من أربعين عاما من الاحتلال لم تعمل إسرائيل على إقامة منشآت متطورة لتنقية المجاري في مناحي الضفة الغربية على غرار المنشآت التي أقامتها في المناطق السيادية داخل إسرائيل.

    مكرهة بيئية

    وأوضح بنان الشيخ خبير التنوع الحيوي لـ"نافذة الخير"، أن الأحواض المائية المعروفة في الضفة الغربية والسفوح الغربية لسلسلة جبال الحوض المائي الغربي يتركز فيها الآبار الارتوازية في منطقة قلقيلية وطولكرم بشكل كبير، لان الأمطار تتساقط على رؤوس الجبال ولكن عملية الترشيح تتم في الأحواض الغربية وتركيز الاستيطان في هذه المنطقة بالذات.وأضاف الشيخ، فعلى سبيل المثال ما حصل في منطقة وادي قانا والذي اثر طرح مجاري المستوطنات فيه إلى مكرهة بيئية وصحية، واثر على التنوع البيئي فيه، وحد من عملية الترفيه والناحية الجمالية في المنطقة، وهناك ضرر واضح على طريق نابلس طولكرم جراء طرح مياه المستوطنات مما سبب في تلوث التربة والهواء، ومياه المستوطنات حاليا تصب في قرى مدينة قلقيلية (سنيريا وعزون عتمة وبيت امين وعزبة سلمان) ، وهي مياه مجاري مكشوفة للمستوطنات، وهذه المنطقة مليئة بالآبار الارتوازية ومن خلال عملية الترشيح وطبيعة التربة تصل إلى المياه الجوفية واحتمالية تلوث المياه الجوفية.وذكر التقرير، أن مستوطني الضفة الغربية يعتمدون على شبكة المياه الإسرائيلية ولهذا فإن إهمال معالجة المجاري لا يؤثر عليهم تقريبا، وفي المقابل، فإن الفلسطينيين وخاصة سكان البلدات والقرى، يتعلقون كثيرا بالمياه التي تتوفر من المصادر الطبيعية، وقد يؤدي تلويث هذه المصادر إلى تأزيم النقص المزمن في مياه الشرب في الضفة الغربية. إلى جانب ذلك، فإن استعمال مياه المجاري غير المنقاة للري الزراعي قد يلوث المحاصيل الزراعية والمس بأحد المصادر الرئيسية للدخل في الاقتصاد الفلسطيني. على المدى البعيد، من المتوقع أن يمس تسييل المجاري بخصوبة الأرض.بالإضافة إلى ذلك، فقد تم بناء معظم المستوطنات في المناطق العالية والتلال وجرى تسييل المجاري غير المعالجة إلى البلدات الفلسطينية القريبة الموجودة بشكل عام في مناطق منخفضة. ويستعرض التقرير ثلاث حالات على سبيل المثال لإظهار كيف تُلوث المستوطنات مصادر المياه والمساحات الزراعية في البلدات الفلسطينية المجاورة.وذكر تقرير بتسيلم إن المستوطنات المعترف بها المقامة في الضفة الغربية وعددها 121 مستوطنة (لا يشمل شرقي القدس) تنتج وفقا للتقديرات حوالي 17.5 مليون متر مكعب من المجاري في السنة. اليوم، فقط 81 مستوطنة من بينها مربوطة بمنشآت لتنقية المجاري تعمل بطرق قديمة بخلاف المنشآت الحديثة التي تعمل داخل إسرائيل، وأكثر من نصف هذه المنشآت صغيرة ومجهزة لمعالجة المجاري التي تنتجها بضع مئات من العائلات فقط، رغم الزيادة التي طرأت على عدد المستوطنين.وتعاني معظم المنشآت من الأعطاب الفنية بصورة متواترة وبين الفينة والأخرى تصاب بالعطل التام. أما باقي المستوطنات فإنها تنتج حوالي 5.5 مليون متر مكعب من المجاري في العام ولا يتم معالجتها مطلقا ويتم التخلص منها على شكل مجاري خام إلى الوديان والجداول في أنحاء الضفة الغربية. بخلاف القانون، فإن إسرائيل لا تشترط السكن في المباني، الأحياء أو المناطق الصناعية في الضفة الغربية بتوفر الحلول لمعالجة المجاري، على سبيل المثال، جميع الأحياء الجنوبية في مستوطنة "موديعين عليت" التي يعيش فيها أكثر من 17.000 مستوطن تم إسكانهم رغم أن المجاري الخام الخاصة بها تسيل إلى جدول موديعين.وعلى الرغم من أن هذه الأوضاع أصبحت معروفة، فإن وزارة حماية البيئة تمتنع عن تطبيق القانون في المستوطنات التي تسبب التلوث وتم لغاية الآن اتخاذ خطوات تطبيق هامشية وقليلة فقط، فمنذ العام 2000 ولغاية أيلول 2008 اتخذت الوزارة 53 خطوة فرض للقانون ضد المستوطنات التي لم تعالج المجاري الخاصة بها، لغرض المقارنة، في العام 2006 فقط اتخذت الوزارة 230 خطوة لتطبيق القانون ضد السلطات داخل إسرائيل بسبب مخالفات مشابهة.وتقوم القدس بتسييل جزء من مجاريها إلى الضفة الغربية. هذه المجاري التي تصل إلى حوالي 17.5 مليون متر مكعب كل عام تصل من الأحياء الواقعة غربي المدينة ومن المناطق التي تم ضمها إلى إسرائيل بعد احتلال الضفة الغربية. يتم تسييل حوالي 10.2 مليون متر مكعب من هذه المجاري بدون أي معالجة إلى حوض وادي كدرون جنوب شرق القدس، وهو مكرهة تم تعريفها من قبل وزارة حماية البيئة على أنها "أكبر مكرهة للمجاري في إسرائيل"، جزء من هذه المجاري تستعمل، بعد معالجة أولية، لري شجر النخيل في غور الأردن، غير أن باقي المجاري الخام تستمر بالسيل بصورة حرة وتتغلغل إلى حوض الجبل في منطقة تعتبر حساسة للتلوث. وهي تسبب المكاره الصحية والبيئية الصعبة، ويضمنها تلوث المياه الجوفية والبحر الميت والروائح الكريهة. وعلى مدار السنين عرضت بلدية القدس عددا من الحلول لعلاج هذه المجاري، غير انه لم يتم تنفيذ أي مشروع منها. منذ إقامة السلطة الفلسطينية، فإن هذه المشاريع تستلزم التعاون من قبلها، لكن السلطة الفلسطينية ترفض ذلك بدعوى أن الأمر قد يضفي شرعية على ضم شرقي القدس لإسرائيل. على الرغم من الإنذارات التي أرسلتها وزارة حماية البيئة إلى الجهات ذات الصلة، لغاية اليوم لم يتم عمل شيء من أجل توفير الحلول لمعالجة هذه المجاري.كل عام يتم تسييل حوالي 7.3 مليون متر مكعب من المجاري من القدس إلى منشأة حوض أوج القريب من موقع نبي موسى شمال البحر الميت. وقد تم بناء الحوض في حينه كمنشأة مؤقتة وكانت مخصصة لمعالجة حوالي ثلث كمية المجاري المحولة إليه اليوم.نتيجة لذلك، يتم معالجة المجاري في المكان بصورة جزئية فقط. في العام 2008، صادقت اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في لواء القدس على خارطة لإقامة منشأة محسنة بالقرب من حوض أوج القائم، لكن لغاية اليوم لم يتم البدء بالبناء.

    ضحية واحدة

    وقال خبير التنوع الحيوي، أن الضحية الوحيدة هو المواطن الفلسطيني والأرض الفلسطينية، فمجاري المستوطنات ما زالت تشكل هما للفلسطينيين، ومصدر معاناة لهم، وهناك تعمد واضح من المستوطنات لطرح المياه العادمة في الضفة الغربية وما يتم معالجته يستخدمونه لمصالحهم في الزراعة وغيرها، ويؤثر على الصحة الفلسطينية وخطورتها على التنوع الحيوي من نباتات وحيوانات، بالإضافة إلى خطورتها المتمثلة في ظهور أمراض خطيرة.وبينت بتسيلم" أن البلدات الفلسطينية تنتج في الضفة الغربية حوالي 56 مليون متر مكعب من المجاري في العام، التي تشكل حوالي 62% من مجموع مجاري الضفة الغربية. بين 90%- 95% من هذه المجاري لا يتم علاجها أبدا ويوجد اليوم منشأة واحدة فقط لمعالجة المجاري".وقد قامت الإدارة المدنية على مدار زمن طويل وغير معقول بتأخير المصادقة على المشاريع الخاصة بإقامة منشآت التنقية، وفي بعض الحالات لمدة تزيد عن عقد من السنين.وفي عدد من الحالات-حسب بتسيلم- حاولت إسرائيل أن تفرض على السلطة الفلسطينية ربط المستوطنات بمنشآت التنقية الخاصة بالمجاري، وسعت إسرائيل لأن تفرض على الفلسطينيين معايير تنقية متقدمة لا يتم لغاية الآن تطبيقها في إسرائيل وهي غير مطلوبة من قبل منظمة الصحة العالمية. هذه المعايير تزيد من تكلفة بناء منشآت تنقية المجاري الفلسطينية وكلفة تفعيلها وصيانتها.وقد قلصت الولايات المتحدة وألمانيا من دعمها الخاص لإقامة منشآت التنقية في البلدات الفلسطينية، وهذا من بين الأسباب التي تؤخر انجاز هذه المنشآت. فيما تستغل إسرائيل لأغراضها الخاصة المجاري الفلسطينية التي تقطع الخط الأخضر وتعالج هذه المجاري في أربع منشآت لتنقية المجاري التي أقامتها فوق أراضيها. وتستعمل مياه المجاري المنقاة لري المساحات الزراعية وتأهيل الوديان داخل إسرائيل. على الرغم من هذا، فإن إسرائيل تجبي من السلطة الفلسطينية تكلفة إقامة المنشآت وتكلفة معالجة المجاري.وتعاود بتسيلم التأكيد على موقفها بأن المستوطنات واستمرار وجودها مخالف لتعليمات القانون الدولي وهي تسبب انتهاكا واسعا ومستمرا لحقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين، بناء على ذلك، ينبغي على حكومة إسرائيل إخلاء جميع المستوطنات من الضفة الغربية وإعادة المستوطنين إلى داخل إسرائيل.وشددت بتسيلم في تقريرها إلى خطورة التلويث تستلزم مراعاة التبعات الفورية على مصادر المياه التي يستعملها الفلسطينيون وكذلك التبعات بعيدة المدى بخصوص مصادر المياه المشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين.بناء على ذلك، ما دامت المستوطنات قائمة في مكانها، فيما يتوجب معالجة مجاري المستوطنات طبقا لمعايير المعالجة السارية في إسرائيل وفرض القانون بصورة فورية ضد المستوطنات التي تسبب التلوث.بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية العمل معا للدفع قدما وبالسرعة الممكنة بالمشاريع الفلسطينية الخاصة بمعالجة المجاري، في هذا الإطار، وهو ما أوصت به بتسيلم في تقريرها الداعي إلى الدفع قدما بالمشاريع الفلسطينية التي تعنى بالمجاري الفلسطينية إلى جانب مجاري المستوطنين، على أساس الفهم بأن هذه البنية التحتية يمكن لها أن تخدم الفلسطينيين لاحقا حتى بعد إخلاء المستوطنات.