• شارك برأيك
    english

    صيـادو غـزة.. مـن شبـاك البحـر إلى صنـارات الاحتـلال

    شاطئٌ ذهبي مترامي الأطراف تُصـافحه سماءٌ انعكس لـونها على أمواج بحـرٍ ارتطمت بصيـادين اتكأت أياديهم عـلى حزن مدينـتهم الموجوعة بحصارٍ خانق ...

    وتبللت عيـونهم بدمعٍ حـارق على أسمـاكٍ تفر هاربة...واحتضنوا الشباك والمجاديف لينتشلوا أرزاق تحـرقها زوارق إسرائيلية غـادرة...

    مع تباشير الصباح الأولى يخرج الصياد "أبو محمد شحادة" يحمل شبكته على كتفيه ويجر حسكته من وراء ظهره, ليصارع أمواجٍ عاتية محاولاً انتزاع رزقه من بين فكيها لصغارٍ ينتظروه بفارغ الجوع.

    وهو يمضى خطواته الأولى نحو الشاطئ قال أبو محمد: " خطر البحر وغدره لم يعد يخفينا فقد تآلفنا عليه وتعايشنا معه.. ولكن قذائف الزوارق البحرية ونيران رشاشاتها هي التي باتت ترعبنا.. فهي موت محقق يتربص بنا في كل زاوية وركن من الشاطىء".

    فعلى امتداد الشريط الساحلي الضيق الممتد لـ"40 " كيلو مترا على طول شاطئ قطاع غزة تحوم البوارج الإسرائيلية على مدار الساعة تمنع الصياديين من الاقتراب من الشاطئ, وتحظر عليهم دخول البحر حتى مسافة 3 أميال بحرية من الساحل منذ أكثر من عامين.

    موت حتمي

    وعلى عجل جمع " أبو محمد" أدوات صيده وركب حسكته وتمنى علينا أن ندعو له برحلة موفقة وسمكٍ وفيـر, وبعد أن لوح بيده مودعاً قال: " سأغامر اليوم وسأصطاد السمك وسأطعم صغاري وأبيع الباقي.. وإذا أرادت الزوارق أن تقصف قاربي فلتفعل ولن أقف مكتوف الأيدي أمام صراخ أبنائي".

    وعلى مقربة منه كانت مجموعة من الصيادين قد قررت الرجوع إلى منازلها وعدم المغامرة بالولوج إلى البحر, بسخط وغضب قال الصياد أبو محمد شملخ: " الظروف المعيشية باتت من سيء إلى أسوأ.. أصبحت لا أقدر على توفير أبسط متطلبات الحياة في بيتي.. أحياناً أغامر بحياتي وقاربي وأدخل إلى البحر لمسافة قريبة حتى أتمكن من صيد بعض الأسماك.. ولكن اليوم الزوارق لم تفارق الشاطئ و دوي القذائف يكاد يخرق أذاني فلن أجازف بنفسي وبمستقبل أطفالي".

    وتستهدف زوارق الحرب الإسرائيلية بشكل شبه يومي قوارب الصيد في بحر قطاع غزة وتمنعها من اجتياز مسافة محددة بدعوى منع استخدام الفلسطينيين لهذه القوارب في تهريب السلاح إلى القطاع عن طريق البحر.

    صيد= موت

    الصياد" أبو طارق رمضان" كان منهمكاً في تنظيف شبكته من أعشاب البحر التي علقت بها ..ويرقعها بخيوط تدلت بين يديه, وبعد أن أنجز عمله قال": " بتنا لا نستطيع الاستفادة من مواسم الصيد بكافة أشكالها.. فالخطر الإسرائيلي يهدد وجودنا على الشاطىء.. فعندما نخرج في الليل ونشعل الأضواء لجذب الأسماك ، تباغتنا الزوارق الحربية وتمنعنا من الوصول إلى مناطق السمك وتبدأ بإطلاق النار علينا.. فرحلة الصيد تقابلها الموت المحقق".

    والتقط صديقه "أبو لؤي" طرف الحديث قائلاً: " قبل شهر نجونا بأعجوبة من نيران الاحتلال وأصيب زورقنا بشظايا القذائف", وبأسى استدرك: " الخطر الحقيقي الذي يواجهنا الآن ليس القذائف أو الرصاص بل الوضع الاقتصادي المتأزم والحياة المعيشية الصعبة".

    أطلقت مصادر حقوقية صيحات تحذير من أن صيادي غزة باتوا يعيشون أوضاعاً مأساوية صعبة، حيث تدهورت حالتهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستمر جراء الحصار البحري المفروض على القطاع، الذي يحول دون تطوير أوضاعهم المعيشية وأفراد أسرهم.

    وعبرت تلك المؤسسات عن استنكارها لـمواصلة وتصعيد جرائم الاحتلال بحق الـمدنيين ومن بينهم الصيادون، مشيرة إلى أن استمرار صمت الـمجتمع الدولي أمر غير مقبول.

    مساومة والإغراء

    قارب فلسطيني احترق بعد اصابته بقذائف القوة البحرية الاسرائيلية

    وإذا كان أبو لؤي وزملائه يعانون من غدر الاحتلال الإسرائيلي وبطش نيران زوارقه الحربية, فإن أبو رشاد لم يعد يخشى الموت وحمم القذائف بل بات يحبس أنفاسه خوفاً من أن تلتقطه الشباك الإسرائيلية فيقع في خانة "العمالة".

    بصوت يلفه التعب قال أبو رشاد: " بت أخاف الولوج إلى البحر حتى لا تلتقطني الزوارق البحرية ويبدءوا بمساومتي والتحقيق معي أو يضعوا تحت ناظري كل الإغراءات حتى أرضخ لهم وأتعامل مع مخابراتهم".

    وبعد تنهيدة طويلة أضاف": قبل شهر تم اعتقالي مع مجموعة من الصيادين، وشتمونا بأقبح الألفاظ وبدءوا بضربنا والتنكيل بنا.. ساومونا حول السماح بدخول البحر مقابل معلومات عن المقاومة", واستدرك قائلاً: " ولكنا رفضنا وبشدة فحذرونا من الولوج للبحر مرة تانية".

    ويحاول الجيش الإسرائيلي الضغط على الصيادين بغرض تجنيدهم بعد فقدانه عددا كبيرا من عملائه في الحرب الأخيرة على غزة، وتسعى المخابرات الإسرائيلية لابتزاز الصيادين بمنعهم من الدخول للبحر بغرض الصيد وتهديدهم بقطع أرزاقهم في حال عدم تعاونهم.

    تضيق الخناق

    "فتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة تجاه قاربنا.. وبدءوا برمي القذائف من حولنا.. أخرجونا من القارب وبدءوا بضربنا وقذفنا بأقبح الألفاظ.. مزقوا شباكنا وكسروا مراكبنا.. كبلونا وعصبوا أعيننا.. وحققوا معنا وبدءوا بمساومتنا" هذا ما رواه الصياد "بشار السلاطين" عن تجربته بابتزاز إسرائيل للصيادين في قطاع غزة.

    وبحرقةٍ تخرج من حروفه قال: " ورثت هذه المهنة عن أبي وأجدادي من قبل و أعتاش عليها وأطعم أطفالي منها فهي رزقي ورزق أسرتي.. ولم يوقفني عنها مرض أو حرب والآن يريدون ابتزازي ومساومتي عليها".

    وحسب السلاطين فإن قوات البحرية الإسرائيلية بدأت بتوزيع بطاقات تجبر الصياديين على حملها في البحر تحدد أماكن صيدهم، يحظر فيها على من يسكن شمال قطاع غزة أن يصطاد في وسط القطاع أو أي مكان آخر.

    وكانت الشرطة الفلسطينية في حكومة غزة قد رصدت من محاولات الإيقاع بالصيادين الذين يتم اعتقالهم ومساومتهم وابتزازهم للعمل مع المخابرات الإسرائيلية.