• شارك برأيك
    english

    لسـعات الفقـر تحـرم طلبة غزة من حلـم التعليـم

    في كل صباح تقف "عبير محسن" على شرفة المنزل المتهاوية تنظر بحسرة ومرارة إلى طلاب الجامعات أثناء ذهابهم لكلياتهم, وبوجعٍ يحرق صدرها أخذت تبكي حظها المتعثر فكيف هي المتفوقة في الثانوية العامة لا تستطيع ارتياد الجامعة بسبب الفقر وضيق الحال!!. وبغصة ألهبت صوتها قالت عبير قبل عامين كنت في الثانوية العامة وكل المعلمات توقعن تفوقي وحصولي على معدل مرتفع... وبالفعل كان ذلك وكنت من المتفوقين ولكن للأسف نجاحي ومثابرتي لم يدخلني الجامعة ولا حتى أي كلية، فالفقر وقلة ما في اليد دمرت مستقبلي ومنعتني من تحقيق حلمي". وهي تمسح دموعها تابعت: "والدي عاطل عن العمل ومريض لا يقوى على الحركة.. وليس لنا مصدر دخل ثابت نعتاش منه فلولا الجمعيات الخيرية وأهل الخير لمتنا من الجوع..", واستدركت متسائلة: "فكيف سأدخل الجامعة؟؟, ومن أين سأحصل على الرسوم وثمن المواصلات والكتب؟؟, والكثير من المصاريف الأخرى". والحزن يغلف صوتها تابعت: " الفقر لم يدمر مستقبلي وحدي بل شقيقاي أيضاً هم من المتفوقين في الدراسة ولكن بسبب مرض والدي وعدم قدرته على العمل اضطرا للخروج من المدرسة والالتحاق بصفوف العمل لكي ينفقوا على البيت ويطعمونا". وعبير ليست الوحيدة في قطاع غزة التي قُتلت أحلامها واغتيلت أمنياتها الصغيرة, بل هناك المئات من الشباب والفتيات لم يستطيعوا الالتحاق بركب الجامعات والكليات بسبب عجزهم عن تغطية مصاريفها الباهظة وفقر عائلاتهم المدقع.

    ضاعت أحلامي

     نرمين إسماعيل "25 عاماً" درست ثلاثة أعوام في الجامعة وفي عامها الأخير لم تستطع إكماله لعدم مقدرة والدها على دفع الرسوم وباقي مستلزمات دراستها. وبنبرات الحسرة قالت نرمين "بعد تفوقي في الثانوية العامة دخلت الجامعة وكان أبي يعمل ويستطيع دفع الرسوم، في عامي الثاني انهار عمل والدي لتردي الأوضاع في قطاع غزة وإغلاق المصنع الذي كان يعمل به بسبب الحصار". وهي تعيد شريط ذاكرتها لأربع سنوات مضت، تابعت: "اضطر والدي للاستدانة وبيع البيت لكي أكمل عامي الدراسي الثاني والثالث.. وفي العام الرابع لم يعد لدينا شيء نبيعه أو أحد نستدين منه فاضطررت لترك الجامعة ولم يبقى على تخرجي سوى فصلين دراسيين". وبحسرة مضت تقول: " كلما أشاهد حفلات التخرج في الجامعة أبكي بدون توقف وأصاب بنوبة اكتئاب فأنا المتفوقة لم أكمل تعليمي!!, ووقف الفقر بوجهي وحطم أحلامي وأمنياتي في مستقبل مشرق وواعد". أما الشاب محمد توفيق "18 عاما" ترك الدراسة في الصف الأول الثانوي والتحق بالعمل لكي يساهم بالإنفاق على أسرته المكونة من ثمانية أفراد بعد مرض والده وجلوسه في البيت عاطلاً عن العمل. وعن حكايته مع ترك الدراسة ولجوئه للعمل قال محمد " بعد مرض والدي تركت مقاعد الدراسة وعملت في معمل الرخام حتى أطعم إخوتي الصغار وأكمل لهم تعليمهم ولا أجعلهم يعيشون في الشارع ويمدون يدهم للآخرين". وفي أكثر من إحصائية حذرت مؤسسات حقوقية ودولية من أن أكثر من مليون ونصف من سكان قطاع غزة يعيشون في فقرٍ متزايد, ولا قدرة لهم على إعادة بناء حياتهم. وتؤكد تلك المنظمات أنه خلال سنوات الحصار المستمر على القطاع منذ أزيد على أربع سنوات تعيش اثنتين من كل ثلاث عائلات في غزة تحت خط الفقر, وأشارت إلى أن أكثر من 83% من الأهالي يصنفون تحت خط الفقر المدقع.

    لا دراسة بعد اليوم

    بالقرب من إحدى إشارات المرور أخذ خالد محمود (11 عامًا) يتنقل من سيارة إلى أخرى يعرض بضاعته الصغيرة ويلح على السائقين والركاب بأن يشتروا منه حتى لا يرجع للمنزل فارغ اليدين. بنبرات تُمطر ألمًا قال خالد "والدي عاطل عن العمل وما يجنيه من هنا وهناك لا يكفينا لأكل الخبز ولأن نعيش.. لذلك تركت المدرسة حتى أساعد والدي بالإنفاق على أخوتي الصغار". أما رامي تسع سنوات الذي أخذ يقفز من أجل مسح زجاج السيارات التي تتوقف عند الإشارات الضوئية قال بارتباك: "لا أحد يساعدنا.. مات والدي وأمي مريضة.. والأوضاع في البيت غاية في السوء... فاضطررت لترك الدراسة مع أنني من المتفوقين لأنفق على إخوتي وأشتري الدواء لأمي". وعند سؤالنا ألا يوجد أحد يساعد أسرته, أجاب بحزن: " ما تعطينا إياه الجمعيات الخيرية لا يكفي مصاريف العلاج لأمي ولا لطعام نعيش عليه لأخر الشهر.. ولا حتى لملابس وأغطية تقينا البرد القارص". وبحسب إحصائيات رسمية لوزارة التربية والتعليم، فإن عدد المتسربين من المدارس يفوق 10 آلاف طالب وطالبة، 55% منهم دافعهم الرئيسي الالتحاق بسوق العمل هو الفقر والحاجة. وتعتبر عمالة الأطفال في الأراضي الفلسطينية ظاهرة شائعة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل وارتفاع نسبة البطالة التي تصل لأكثر من 70% في صفوف المواطنين في قطاع غزة.