• شارك برأيك
    english

    في يوم اليتيم.. تُكبـر دمعـة أيتـام غزة

    كيف ليتيمٍ أن يُصـافح حياةً شرعت أبوابها على أيامٍ تكسرت عقاربها.. وصورة اسود لونها غرقت تفاصيلها.. وبدلاً من أن تهديه الفراشات والعصافير الملونة وقطع الحلوى والألعاب منحتهم يتماً وموتاً وخوفا.

     

    وإذا كانت دمعة ستنحدر من عيون العالم  في يوم اليتيم, فإن دموعٍ حارة وكبيرة ستنهمر بقهرٍ من عيون أطفال غزة الذين لسعتهم نيران اليتم ومرارة الحرمان, فبات الحزن والألم مأوى لجراحهم العميقة.

     

    فحين يحدثك طفل عن طعم المرارة التي يتجرعها في دهاليز اليتم والفقر.. ومدى الألم واليأس الذي سكن روحه وأطفأ نور قلبه تُدرك حينها أن أي محاولة منك لخنق خوفه وترميم مشاعره ستبدو سخيفة أمام وجعه الذي قفز بعمره أعواماً وأعـواما.

     

    مستقبل مجهول

    "رغد" صاحبة التسعة أشهر فقدت والديها.. فعندمـا تخطـو أولى خطـواتها تـقع أرضاً وتتعثـر لن تتـلقـفّها على الفـور يداً حـانيـة ...وحيـن تبدأ فـي الكـلام لن تغمـرها القبـلات الحـارة ...وفي أول يومٍ دراسي لـها لن تنتظـرها شموع الاحتفال ...وفي كـل يـومٍ سيمـر في حيـاتها ستدرك "رغد" أكثر معنى أن تكون "يتيمـة".

     

    في مبرة الرحمة للأيتام التقت بـ"صاحبـة الوجه الندي" كانت تنام في سـريرٍ طفولي جميـل تُحيطه به بعض الألعاب والدمى...وعلى مقـربةٍ منهـا جلست المشرفة عليها تحتضن أنامـلها بقـوة وكأنها تخشـى عليها شبح المستقبل القادم.

     

    وعلى بعد خطواتٍ منها انهمك الطفل "وائـل" الذي فقـد والده في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غـزة قبل عامين برسم  قلبٍ وردي اللـّون :"لن أنساكّ يا أبي" سنلتقي في الجنـة معاً " " أنت باقٍ في القلوب ولم تغـب".

     

    وفيما ينشغل بتعبئة الأحبار في رسمته الصغيرة يعـلو صوته قائلاً :" أنا الآن يتيم ولا أهل لي.. فإسرائيل قتلت والدي وإخوتي.. إلى متى سيبقى أطفال غزة يعيشون بخوف.. نريد العيش بسلامٍ وأمان ونحيا في أحضان أبائنا كباقي أطفال العالم".

     

    وبجواره جلس صديقه أحمد صاحب الستة أعوام يرسم وجهٍ كبير يعلوه حمامٌ أبيض يطيـر نحـو السماء الصافيـة الزرقاء ... وزهـرة حملّت أوراقها وأغصـانها كل الألوان.. بالونات تتقافـز هنا وهناك.

     

    وخلفتد الحرب الإسرائيلية أواخر العام2008  على غـزة أكثـر من 1400 شهيـد وستـة آلاف جريح وارتفعت قائمة الأيتام في القطاع حيث انضـم ما يقرب من 1500 طفـل إلى قافلتهم, وقالت مؤسسات تعنى بالإغاثة والطفـولة إن حوالي 1346 طفلاً فقدوا أحد والديهم أو كليهما خلال العدوان ليصل عدد الأطفال الأيتام في غزة إلى 5200 يتيم.

     

    بالكفالة نساعدهم

    وأمام ما يعانيه أيتام غزة من ألمٍ وخوف يسارع العديد من الأهالي في القطاع إلى كفالتهم عبـر المؤسسات الخيرية والإنسانية, في محاولة منهم لمسح دموعهم وتضميد جراح اليُتم والوحدة, ورسم مستقبل مشرق أمامهم.

     

    "هاني عاشور" سـارع إلى كفالة أحـد الأيتـام طمعاً في انتشـال البراءة من بحـار الضياع و الحرمان ...يحمل هاني ابن الرابعة يضمه إلى صدره بكل حنان ...يمشي متباهياً في الأحياء والأزقـة...يبكي الصغير حيـن يرى الوجوه الغريبة فيسارع الأب الكفيل إلـى طمأنته من خلال احتضانه طويلاً والهمس بكلماتٍ طفولية ضاحكة تجعله ينسى غربته.

     

    وفيـما هو منشغل بإطعامه قطعة حلوى قال هاني إن الطفل "أنس" فقد والديـه في الحـرب ولم يتمكن أعمامه من كفـالته بسبب فقـرهم الشديد .. ويتابع :" يتصـل أناس من الخارج ومن كافة دول العالم لينالوا شرف كفالة أيتامنا وعن قرب فهل نتخلى نحن عنـهم ...سأربي أنس وأرعاه وألبي كافة احتياجاته حتى يكبـر ..وكم أتمنى أن يظل في كنفي لآخـر يوم في حياتي .."

     

    وبحروف التمني الكبيرة يأمل هاني لو أنّ الصغير يظل في كنفه طويلاً ويستدرك:" حتى آخـر يوم في حياتي....فما أجمل أن تمسح دمعة يتيم وترفع الحـزن عنـه"

     

    علاج نفسي

    وأمام تـزايد عدد الأطفال الأيتام في القطاع حثت جهات رسمية ومؤسسات إنسانية وخيرية على الاهتمام بكفالتهم , وطالبت وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة الفلسطينية بغزة المؤسسات والدول بزيادة تقديم المساعدة للأيتام، مشيدًا بالمؤسسات العربية والإسلامية التي تسابقت "في السنوات الماضية" لرعاية أطفال فلسطين، منوها بأن عدد المكفولين من أيتام غزة بلغ أكثر من 20 ألف يتيم تكلفهم مؤسسات حكومية وأهلية.

     

    وأكد مؤمن بركات مدير جمعية مبرة الرحمة بغزة أن أيتام قطـاع غـزة يختلـفون عن كافة أيتام العـالم إذ يمرون بظروفٍ غاية في القسـوة والمرارة.

     

    وأضاف :"عندما نتحدث عن يتيم غـزة فنحن نتحدث عن مجموعة من الآلام والأحـزان.. من فقـرٍ شديد إلى حصارٍ خانق إلى غياب وسائل الدعم والترفيه.. نتذكر الحرب الإسرائيلية الشرسة التي ضمت إلى قافلة الأيتام المزيد من الأرقام".

     

    وأشار إلى أن الجمعية تقوم بالعديد من الفعاليات أهمها إقامة مهرجانات ترفيهية للأطفال واصطحابهم إلى حدائق الحيوان والملاهي في القطاع والتنزه بين الأشجار, كما وتسعى للتخفيف عن آلامهم ووجـعهم عن طريق الرسم والتعبير عما يجول في خواطرهم تساعد الخبراء على قراءتها لتقديم المساعدة لـهم.