• شارك برأيك
    english

    "الحياة" قبس النور في أرواح المكلومين

    بعد حروب أربعة ضروس، من الصعب أن نقول لقد نجونا من الموت للمرة الرابعة؛ نستطيع أن نقول أننا وبأعجوبة نجونا من الموت ألف مرة ويزيد، نجونا.. لكن ذاكرتنا لم تنجو من هول الصدمة، تمر ساعات الحرب ثقيلة مع كل صاروخ يسقط على مقربة من أحدنا، يحاصرنا الموت من كل اتجاه حتى نظنّ أنه لا حياة الآن وأن هذه آخر أنفاسنا.

    مرّ شهر ويزيد على آخر هجمة شرسة شنتها المقاتلات الإسرائيلية في الحادي عشر من مايو هذا العام، دمار كبير وقائمة الشهداء منذ صراعنا الأزلي مع الاحتلال تزداد، مجازر إبادة جماعية يصعب على العقل البشري استيعابها، لكم أن تتخيلوا بشاعة المشهد، طائرة كثور خرافي تصب نيرانها فوق أحد المنازل الآمنة التي تأوي أكثر من ثلاثين فرداً جلّهم من النساء والأطفال؛ فتحيل الصواريخ البيت إلى حفرة موت تبتلع المنزل وساكنيه في غمضة عين وتختلط الدماء بالركام ويتكرر المشهد القاسي ذاته في كل يوم.

    نحن في مؤسسة "الحياة" لتمنية الأسرة أمام هذه المأساة المركبة التي يحياها شعبنا في فلسطين عموماً وغزة المحاصرة منذ 15  عاماً على وجه الخصوص ليس من السهل أن نردم وحدنا هذا الكم الهائل من الوجع، لكننا نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نكون سنداً لكل من حلّت عليه هذه  المعاناة، لا سيما الشرائح الأكثر هشاشة من الأرامل والأيتام الذين غرس الاحتلال فيهم وجعاً كبيراً، عبر تنفيذ سلسلة مشاريع إغاثية في محاولة لدعمهم والتخفيف من معاناتهم.

    مشاريع عديدة أطلقتها الحياة مباشرة بعد أن حطّت الحرب أوزارها تمثلت في توزيع مئات الطرود الغذائية، والمساعدات النقدية للأسر المتضررة، وتوفير بدل إيجار للأسر التي فقدت بيوتها، كما أنها استهدفت الجرحى داخل المستشفيات بتوزيع حقائب إسعافات ومساعدات مالية تمكنهم من تأمين ما يحتاجونه من أدوية طبية.

    هنا في غزة تبدو الحياة أشبه بالكابوس الذي يطارد مليوني مواطن، وندوب الوجع القاهرة تطفو على أرواح الأطفال الذين يعاني منهم91% من صدمات نفسية بعد الحرب الأخيرة، حسب توثيق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فيما قتل الاحتلال 66  طفلاً، وأصيب 470 طفلاً بإصابات مختلفة من بينها إصابات ستخلف إعاقات دائمة، لذلك لم تغفل مؤسسة "الحياة" عن أهمية الدعم النفسي كضرورة ملحة يحتاجها أطفال القطاع فنظمت عدة مشاريع دعم نفسي لهم، ووزعت عديد الهدايا في محاولة لرسم البسمة على وجوههم.

    في غزة حكايا الأطفال تفوح روائح الألم من جنباتها، ما يقارب 241 طفلاً فقدوا خلال الحرب أحد الوالدين أو كلاهما، فيما فقد 5400 طفل بيوتهم بعد تدميرها بالكامل، ونزح أكثر من 70 ألف طفل خلال الحرب، حتى اللحظة مازال أكثر من 4  آلاف طفل نازحين.

    أطفال بعمر الورد طبع الاحتلال على أراحهم أثر اليتم والإعاقة والتشريد، خطفهم من منطقة الراحة والأمان والعائلة المكتملة، وألقى بهم في مستنقع الشقاء والحرمان، الحياة أخذت على عاتقها مسؤولية عظيمة بأن تبقى لهم اليد البيضاء والصدر الحنون الذي يتسع لأوجاعهم وآمالهم؛ لأنها تدرك جيداً أنهم بأمس الحاجة إلى رعاية كريمة، وحياة غير منقوصة الحقوق، وستبقى الحياة نموذجاً مشرقاً في العطاء؛ لتزرع الابتسامة وتنقذ ما تبقى من أحلام وأمنيات.